[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
هي حرب الإرادات الإقليمية في حلب، وبالمفهوم الروسي فهي معركة ستاليجراد التي غيرت من طبيعة الحرب على روسيا إبان الحرب العالمية الثانية، فهي بالتالي ستغير شكل ونتائج الحرب على سوريا، لهذه الأسباب يستميت المسلحون بناء على اصرار مشغليهم في هجماتهم التي لم تتوقف لفك الطوق المحكم الذي فرضه الجيش العربي السوري وحلفاؤه، لكن من الواضح والحتمي أن الذين خططوا لعملية الاطباق تلك وضعوا قبلها تصورات ما سوف تكون عليه ردود فعل المسلحين.
قيادة الجيش العربي السوري قلبت الصفحة منذ انجاز العملية لتضع العنوان التالي للمرحلة الأخرى، فأصعب من عملية الحصار الثبات في المواقع التي وصل إليها جيشنا الباسل، والمرحلة ليست سهلة، فلسوف يستميت المسلحون في هجماتهم، بل هي استماتة مشغليهم الذين راهنوا كثيرا على حصد نتائج معارك حلب لتكون ورقة رابحة في السياسة .. من هنا تسارع تعداد الهجمات، فبين بوتين وأردوغان لقاء حاسم خلال الساعات المقبلة، وعلى أساسه سيبنى الكثير على وضعية حلب، مع أنه كما قال الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله أسقطت حلب امبراطورية ورهاناتها.
هي معركة ربع الساعة الأخير كما يفترض، ومعارك من هذا النوع تكون الأقسى والأشد شراسة، ولسوف يسجل للجيش العربي السوري أنه وصل الى هدفه الثمين، بطريقة القضم التدريجي ، أي تقدم الخطوة خطوة التي تحتاج الى بطولة ومراس ونفس وخبرة وهدوء أعصاب، خصوصا وأنه قتال بين الأحياء وبين المواقع المتداخلة.
محاولات المسلحين المستميتة إذن باءت بالفشل حتى الآن، وعليهم ان يفهموا أن اللعبة انتهت وحلها التسليم بالأمر الواقع، والاستسلام للنداء الذي وجهه الرئيس بشار الاسد حول العفو العام لكل من يرمي السلاح، وسيكون جائزة كبرى لمن يتقدم اليها، ومضمونها لن يتكرر وله وقته ومفاعيله. ومنذ ان اطبق الجيش، بدأ العد العكسي للوجود الارهابي في حلب التي حان الوقت لقطف معارك السنوات الأربع، بل التضحيات الكبيرة والصبر المضني .. فحلب تستحق كل هذا وأكثر، إنها مدينة المدن ، هي المتحف القائم في الهواء الطلق لمن يريد التعرف على تاريخها.
يراوغ وزير الخارجية الأميركي جون كيري بعدما شعر أن حلقة من حلقات التآمر الأميركي على سوريا قد أفلتت من يده، فيما تبدو موسكو التي تعلن علانية عن الغش الأميركي في التعامل معها، قد تجاوزته بمساهمتها الواضحة في التقدم العسكري السوري إضافة إلى حلفائه من جيش التحرير الفلسطيني إلى حزب الله إلى المستشارين الإيرانيين وغيرهم. فمعركة حلب لم تعد مجرد جغرافيا فقط كونها على الأرض السورية، بقدر ماهي عنوان كبير لصراع الإرادات من جهة، ومن جهة أخرى للمتغير الذي ستدخله نتائج المعركة الكبرى على المنتصر فيها.
في كل خطوة يخطوها الجيش العربي السوري نتذكر بيت شعر لشاعر العروبة سليمان العيسى يقول فيه " الآن ابتديء النزال بأمتي / وتشع دنيا كالضحى عرباء" .. هي الصورة المثلى لمعركة تصحيح مرحلة تتحمل سوريا العروبة رأس حربتها. قدر جميلة بلاد الشام دمشق أن تعيد كتابة تاريخ المنطقة بمصطلحات وأبجدية عصرها الوطني والقومي، فهي بالتالي تنعش ذاكرة الجميع بما لها من زمن ودور، وإنها مثلما كانت عصية على التسليم كما كتب نصها يوسف العظمة في ميسلون، فهي لن تتنازل عن أي شبر من أرضها، ولهذا كانت حلب معركة توثيق الفكرة وبذرها في وجوه المتآمرين عليها.
حرب الإرادات لن تتوقف، لكنها منذ عملية اطباق الجيش العربي السوري تبدو حرب انتحارات من قبل المسلحين ومشغليهم.