أحيا اليابانيون ذكرى ضحايا الهجوم النووي الذي دمر ناجازاكي قبل 71 عامًا وأدى إلى مقتل حوالي 74 ألف شخص، بعد ثلاثة أيام على ذكرى هيروشيما التي لحقت بشقيقتها (ناجازاكي) لتؤرخ هاتان المدينتان بداية الوحشية والإمبريالية الأميركية من أجل فرض سطوتها وهيمنتها على العالم، باستباحة المحرمات والمحظورات، ولتدشن بذلك الدولة العظمى مرحلة جديدة من مراحل خرق القانون الدولي وإعطاء الحق لنفسها بإبادة البشرية عبر الحروب غير التقليدية.
لقد كانت المشاعر الجياشة لدى الشعب الياباني وهو يحيي هذه الذكرى الأليمة معبِّرةً عن مدى ما لحق بالمدنيين من كارثة غير مسبوقة، محاولين عبر سردها وسرد مشاهدها المؤلمة نقل صوت العقل والمنطق إلى القوى الكبرى التي تمتلك السلاح النووي، وخاصة تلك القوى التي استخدمته كالولايات المتحدة وتلك التي تهدد باستخدامه مثل كيان الاحتلال الإسرائيلي الذي يتحضر هو الآخر لحرب إبادة من هذا النوع ضد العرب الذين يحاول أن يصنع منهم بممارساته وانتهاكاته وجرائم حربه أعداء له في الوقت الذي يمدون إليه أغصان الزيتون وأيادي السلام.
إن إحياء الذكرى من قبل الشعب الياباني قد ينظر إليه البعض بأنه شأن خاص به لما لحق به من كارثة إنسانية غير مسبوقة في التاريخ الحديث، لكن إحياء هذه الذكرى في هذا الوقت بالذات مهم لتذكير العالم الذي تعمل بعض القوى الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة جره إلى حروب غير أخلاقية وغير تقليدية تهدد بفناء العالم إن وقعت، لا سمح الله.
والذكرى في أحد جوانبها تبعث برسائل خاصة لشعوب منطقتنا والشرق الأوسط عمومًا، ليس من باب التذكُّر، بل في المناخ والظرف والواقع والمصير والوجود، وأن تستعيد وعيها بأن ما تعبث به القوى الإمبريالية بقيادة الولايات المتحدة من أمن واستقرار للمنطقة ومقدرات شعوبها وثرواتها، وما تنثره من بذور الفتن الطائفية والمذهبية وما تصنعه من الحركات الراديكالية المحسوبة على الإسلام من تنظيمات إرهابية لتوجه رماح إرهابها وسواطيره ضد شعوب المنطقة عبر عناوين كاذبة وخادعة مثل "حماية الحريات ونشر الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان" وغيرها من العناوين، كل ذلك لا يقل عن المأساة اليابانية في مدينتي هيروشيما وناجازاكي. فضحايا المنطقة الذين تجاوزوا أضعاف أضعاف ضحايا تلك المدينتين ولايزالون يتساقطون هم ضحايا الحروب غير الأخلاقية والتدخلات في الشؤون الداخلية في دول المنطقة ونثر الفتن والمؤامرات التي تقودها الولايات المتحدة ومن تحت عباءتها من القوى، ومعها حليفها الاستراتيجي كيان الاحتلال الإسرائيلي الذي وحده ما أباده من الشعوب العربية الفلسطينية والمصرية والسورية والعراقية يفوق أو يكاد ما فعلته قنبلتا هيروشيما وناجازاكي.
ولعل الزيارة التي قام بها الرئيس الأميركي باراك أوباما مؤخرًا إلى هيروشيما دون أن يقدم أي اعتذار للشعب الياباني عما اقترفته بلاده من جريمة وحشية بحق البشرية، يدل على مدى الإصرار والتعمد الأميركي على إلحاق بالمدنيين اليابانيين هذه الكارثة، ما يشي بأن الولايات المتحدة في وارد أن تكرر مثل هذه الكارثة، وتحاول حيال ذلك جر الحكومة اليابانية نحو مغامراتها ونقل اليابان من حالة السلم إلى حالة اللاسلم وخاصة مع جيرانها، الأمر الذي دعا رئيس بلدية ناجازاكي، توموهيسا تاوي الذي تحدث في مراسم إحياء الذكرى باسم أبناء وأحفاد الضحايا، أن يطالب الحكومة اليابانية بالتراجع عن توجهاتها نحو زيادة صلاحيات الجيش، والتوقف عن الازدواجية في الموقف من الأسلحة النووية، متهمًا إياها بأنها "تنادي بإزالة الأسلحة النووية، وتدعم في الوقت ذاته الردع النووي" في إشارة إلى دعمها للاستراتيجيات النووية الأميركية. مضيفًا "نشعر بالقلق لأن الوعد الذي قطعناه قبل سبعين عامًا، ومبدأ السلام في الدستور، يبدو معرضًا للخطر"، موجِّهًا نداء للشبان: اصغوا لما يقوله القدامى، وفكروا بما تستطيعون فعله أنتم من أجل السلام". ولا ريب ـ وكما قلنا آنفًا ـ إن هذه المطالبة والمناشدة ليست خاصة بشباب اليابان وإنما بكل شباب العالم وأحراره، وكل محبي السلام والاستقرار والتنمية والأمن والرخاء من أجل حياة مفعمة بالخير ومستقبل مشرق للبشرية جمعاء.