[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2016/08/e.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]إبراهيم بدوي [/author]

تشكل خاتمة لـ"2020" وتتصدى لتحديات الوضع الاقتصادي الحالي وتعد مدخلا لـ"2040"
مقدمة
تشكل الخطة الخمسية التاسعة (2016 ـ 2020) في حد ذاتها مفتاحا وتحديا، وسبيلا للمستقبل، حيث فرضت الظروف الاقتصادية الحالية التي تمر بها البلاد من تداعي أسعار النفط، الذي كان ولا يزال مصدر الإنفاق الأساسي في ميزانية السلطنة، وحتى يكون فهم طبيعة وأهمية الخطة التاسعة جليا، يجب قراءتها وفق 3 محاور رئيسية: الأول يأتي من كونها ختاما للرؤية الاقتصادية 2020، والثاني تفرضه الظروف العالمية والإقليمية الاقتصادية، سواء المتعلقة بانخفاض أسعار النفط أو حالة الركود الاقتصادي الذي يهدد العديد من الحواضر الكبرى، ويظل التحدي الأكبر للخطة الخمسية التاسعة هو المحور الثالث الذي سيتيح لنا فهما أكبر لأهميتها وماهيتها، وهو كونها قاعدة انطلاق للاستراتيجية العمانية الطموحة 2040، وهي استراتيجية تسعى لتحويل التنمية الشاملة القائمة في البلاد إلى تنمية مستدامة تحفظ حق الأجيال القادمة، ومن خلال السطور القادمة سنسعى لقراءة مبسطة لمحاور الخطة الخمسية التاسعة وما تمثله من منطلقات اقتصادية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خاتمة لـ"2020"
جاءت الخطة الخمسية التاسعة كخاتمة للرؤية الاقتصادية التي اعتمدتها السلطنة حتى عام 2020، والتي كانت بمثابة خريطة طريق لتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية للبلاد على مدار 25 عامًا، منذ إعلانها في العام 1995م، وسعت الرؤية إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي، وأنجزت في سبيل ذلك الكثير حيث وصلت الأصول النقدية للبنوك العمانية حدا يشكل في حد ذاته أحد مصادر الاطمئنان على قوة الاقتصاد العماني، بالإضافة إلى توسيع نطاق مشاركة القطاع الخاص، حيث شكلت المشاريع الحكومية الإنمائية مصدرا لتوسيع الشراكة مع القطاع الخاص، الذي حقق نموا كبيرا وثابتا طوال الخمسة والعشرين عاما الماضية، كما شكلت الرؤية مدخلا لتنويع القاعدة الاقتصادية ومصادر الدخل القومي، التي ظلت تعتمد على النفط كمصدر تمويلي أساسي للمشاريع الإنمائية والبنية الأساسية، وأبرز ما تسعى إليه السلطنة في ختام تلك الرؤية الاقتصادية هو عولمة الاقتصاد العُماني، ورفع مستوى مهارات القوى العاملة العُمانية وتطوير الموارد البشرية كهدف راسخ ممتد طوال سنوات النهضة المباركة الـ46.
الواقع الاقتصادي الحالي
تتلاقى كل المشروعات التي تم الإعلان عنها منذ بدء تنفيذ الخطة الخمسية التاسعة أو تلك التي قيد الإعداد عند هدف أساسي هو التكيف مع مرحلة النفط الرخيص، وتحقيق الأهداف الملحة لدعم معدلات النمو، وتعزيز نمو الاقتصاد بشكل مستدام، حيث تسعى السلطنة إلى التكيف مع التراجع الحاد في الأسعار، وسارعت عملية تطوير القطاع الخاص لإيجاد فرص العمل، وهي عملية محاطة بالتحديات أبرزها توفير حوافز قوية للمواطنين للدخول في القطاع الخاص حيث إن توفير الفرص المفيدة وتحقيق النمو الشامل لجميع فئات السكان سيسهم في الحد من الضغوط الاجتماعية.
إن إحداث التحول في الاقتصاد الوطني الذي ظل لعقود طويلة يعتمد على النفط كمصدر رئيسي للتمويل ليس مهمة سهلة، وهنا تكمن أهمية الخطة الخمسية التاسعة حيث سيمهد التنفيذ الدقيق لها وتحقيق أهدافها لتنفيذ تطوير طويل الأجل، خصوصا في ظل وجود العديد من المخاطر المرتبطة بتراجع أسعار النفط، لكن النبأ السار هو تزايد العزم لدى الحكومة على تبني منهج استباقي في معالجة هذه التحديات واستخدامها لإحداث التحول والتنويع الاقتصادي المأمول بهدف بناء مستقبل اقتصادي أكثر قابلية للاستمرار.
وبشكل مطلق يعد تسريع وتيرة التنويع الاقتصادي وزيادة مساهمة مختلف القطاعات في الناتج المحلي الإجمالي أهم أهداف الخطة الخمسية الحالية بما يساهم في التقليل من اعتماد الاقتصاد الوطني على النفط، سواء في الإيرادات أو الصادرات والتقليل من تداعيات الصدمات الخارجية التي تترتب على التذبذب في أسعار النفط في السوق العالمي، وجنبا إلى جنب تسير عملية تعزيز التنويع الاقتصادي مع ما أنجزته الحكومة من إصلاحات مالية، خاصة إلغاء دعم الوقود وإقرار إصلاحات في ضرائب الشركات وزيادة مصادر الدخل من الرسوم والقطاعات غير النفطية، فضلا عن ترشيد الإنفاق العام.

قاعدة انطلاق لـ"2040"
تمهد الخطة الخمسية التاسعة للرؤية المستقبلية (عمان 2040)، وقد تم إعدادها بالتعاون مع مختلف الجهات الحكومية وبمشاركة مجتمعية واسعة شملت القطاع الخاص ومؤسسات وأفراد المجتمع المدني. وقد روعي عند إعداد تقديرات هذه الخطة الأوضاع المالية الفعلية التي تحققت خلال السنوات السابقة والأداء المالي خلال العامين 2014م و2015م. إذ تراجعت الأسعار العالمية للنفط مقارنة بالأسعار السائدة قبل منتصف عام ٢٠١٤م بحوالي (67) بالمائة. كما تم الأخذ في الاعتبار الالتزامات الحتمية المترتبة على السياسات والقرارات المتبعة خلال السنوات السابقة والتي عكستها تقديرات موازنة عام 2015م (سنة الأساس لخطة التنمية الخمسية التاسعة). وروعيت الواقعية والتحوط عند إعداد تقديرات الخطة، إضافة إلى أهمية اتساق الإطار المالي مع إطار الاقتصاد الكلي والأهداف الاقتصادية الرئيسية للسلطنة من استقرار وتنويع اقتصادي، وتوفير فرص عمل منتجة ومجزية للمواطنين، وتطوير سياسات التنمية الاجتماعية في إطار متكامل وشامل. وقد تم التعرف على الجوانب التي لم يتم فيها بلوغ الأهداف المنشودة في الرؤية 2020 وأسباب هذا القصور فيما يتعلق بالتنويع الاقتصادي، وتفعيل مساهمة القطاع الخاص في عملية التنمية، وهي جوانب ستحظى بالاهتمام خلال خطة التنمية الخمسية التاسعة.
ومن هذا المنطلق فإن ما ستحدثه هذه الخطة من تطورات سيكون بلا شك صاحب تأثير على الرؤية الاقتصادية الجديدة 2040، التي تعمل على تنمية قطاعات بارزة، وهي قطاعات السياحة والزراعة والثروة السمكية والاتصالات والخدمات اللوجستية والموانئ، وهي محاور واعدة تمثل أدوات رئيسية، يمكن أن تكون عماد الاقتصاد العماني خلال العقدين القادمين. كما تشدد على التوازن بين البعدين الاقتصادي والاجتماعي، فهي رؤية تستشرف المستقبل وتتطلع إلى المزيد من التطور وتحقيق الإنجازات وفق منظومة عمل.
منطلقات (التاسعة) الاجتماعية
بحسب ما أوضح بيان الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط أنه عند انطلاق الإعداد لخطة التنمية الخمسية التاسعة (2016 – 2020م) آخذًا في الاعتبار التوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ والتي يأتي في مقدمتها ضرورة أن تركز الحكومة في خططها المستقبلية على التنمية الاجتماعية خاصة في جوانبها المتعلقة بمعيشة المواطن وبما يتيح المزيد من فرص العمل وبرامج التدريب والتأهيل ورفع الكفاءة الإنتاجية والتطوير العلمي والثقافي والمعرفي.
كما تتعلق أهداف الخطة التساعة بتوفير فرص عمل منتجة ومجزية للشباب العماني، وتركيز الجهود على تحسين الاندماج الاجتماعي من خلال تعزيز التعليم والتدريب والصحة، وتنمية الموارد البشرية، وصولًا إلى هدف التشغيل الكامل للقوى العاملة الوطنية، إضافة إلى تعميق التنويع الاقتصادي من خلال تطوير القطاعات الواعدة كالصناعة التحويلية، والخدمات اللوجستية والنقل، والسياحة، والثروة السمكية، والتعدين.
منطلقات (التاسعة) الاقتصادية
إن الخطة الخمسية التاسعة تولي أهمية للتنمية العمرانية بالاستغلال الأمثل للموارد والفرص الاستثمارية التي تتمتع بها محافظات السلطنة، كما ستولي اهتماما خاصا بتنمية المحافظات بهدف تحقيق نمو وتوزيع متوازن لثمار التنمية على المواطنين في مختلف أرجاء البلاد، لذا سيتم التركيز بمنظور أكثر شمولا خلال الخطة على الارتقاء بتنمية مختلف المحافظات وتحقيق مستويات متقاربة فيما بينها في مجالات التعليم، والصحة، والخدمات الاجتماعية مع إيجاد فرص العمل وتطوير البنية الأساسية وخدمات المرافق العامة. وستعتمد الخطة الخمسية التاسعة منهجية تستند إلى وصف معلوماتي واحتياجات ومتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والعمرانية في كل محافظة، بحيث تضع هذه الخطة صورة واضحة عن الوضع في كل محافظة وأولوياتها بما يمكن من إعداد وتطوير برنامج تنموي واستثماري يتسق مع هذه الأولويات.
وتستهدف الخطة تحقيق معدل نمو حقيقي سنوي للناتج المحلي في حدود(3) بالمائة في المتوسط خلال فترة الخطة، وتحقيق الاستثمارات الإجمالية متوسطا يبلغ (2ر8) مليار ريال عماني سنويا بمتوسط معدل نمو(5) بالمائة. كما يتوقع أن تنمو الأنشطة غير النفطية بنحو (3ر4) بالمائة، بينما يقدر أن تشهد الأنشطة النفطية ارتفاعا محدودا يبلغ (2ر0) بالمائة. ويتوقع أن تصل قيمة الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة نحو(6ر28) مليار ريال عماني في المتوسط لفترة الخطة مقارنة بنحو (6ر24) مليار ريال عماني خلال الخطة الثامنة. كما ستشهد الفترة الممتدة من 2016م إلى 2020م معدلات نمو جيدة للأنشطة غير النفطية في ضوء الإجراءات والخطط الهادفة لدعم التنويع الاقتصادي.
وتسعى الخطة إلى الحفاظ على معدلات تضخم آمنة ومستقرة خلال الخطة الخمسية التاسعة وفي حدود (9ر2) بالمائة سنويا، وهو معدل يعكس تباين المؤثرات والمحددات الرئيسية لأسعار المستهلكين بالسلطنة. فمن جهة يمثل استقرار الأسعار العالمية للوقود وللمواد الغذائية عند مستويات منخفضة مقارنة بما كان سائدا خلال الأعوام الماضية عنصرا هاما للحد من الضغوط التضخمية المتوقع أن تتولد نتيجة ارتفاع الطلب والاستهلاك المحلي خلال سنوات الخطة التاسعة بمعدلات مرتفعة.
التحديات
ويأتي انهيار أسعار النفط كأحد أبرز التحديات التي تواجه الخطة الخمسية التاسعة رغم أنها اعتمدت على سعر استرشادي مقبول لأسعار النفط في 2016م، كما أنها قامت مواجهة عجز الموازنة بخطوات اقتصادية استطاعت توفير أكثر من ملياري ريال من موازنة هذا العام، وتسعى السلطنة بسياسات حكومية فاعلة إلى تقليل وتحجيم تداعيات الأزمة الاقتصادية، وتحرص على دعم العديد من القطاعات الاقتصادية الواعدة مثل الصناعة والتجارة والقطاع اللوجيستي والسياحة والتعدين، وقد حققت السلطنة نجاحات حقيقية على أرض الواقع في سبيل تحجيم تداعيات الأزمة الاقتصادية، وذلك دون تخفيض في الإنفاق يؤثر على الحركة الاقتصادية في البلاد، وهو ما جعل العديد من المؤشرات الاقتصادية العالمية تحافظ على نظرتها المستقبلية للاقتصاد العماني بـ(مستقر)، واعتمدت تلك التقارير على الخطوات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة في تخفيض عجز الموازنة، دون أن يؤثر ذلك على معدلات النمو المرتبطة بحركة الأموال في السوق المحلي، وتشجيع الاستثمار والتركيز على المشاريع الإنتاجية، وتشجيع مبادرات القطاع الخاص، وإيجاد بيئة محفزة عبر سياسة الانتعاش لا التقشف، وهو ما يعبر عنه موافقة مجلس المناقصات على أعمال ومشاريع بلغت قيمتها نحو 124 مليونًا و800 ألف ريال عماني، وهو مبلغ يعد من الضخامة ليشير إلى حرص الحكومة على ضخ المزيد من الاستثمارات في البنية الأساسية، ما يفتح آفاقًا جديدة للقطاع الخاص ويتيح له استمرارية حركة الأموال.
وفيما تقوم الحكومة بدورها الترشيدي يضطلع مجلس الشورى كونه إحدى المؤسسات التشريعية في الدولة بدوره في إخراج توصيات خاصة بمعالجة تداعيات الأزمة الاقتصادية وآثارها على المجتمع، وهي توصيات حرصت جميعها على تجنيب المواطن لآثار الأزمة الاقتصادية، وهو الخط الثاني الذي تسير عليه مؤسسات الدولة وفق الرؤية السامية لجلالته ـ أبقاه الله ـ حيث تعنى الدولة بجانب استمرارية ضخ الاستثمار الحكومي لدعم القطاع الخاص وحركة الأموال، إلى بُعد اجتماعي آخر وهو تجنيب المواطن آثار الخطوات الضرورية لمواجهة الأزمة، حيث سعى المجلس للخروج بتوصيات مثل دمج بعض الوحدات الحكومية. كما أوصى بإعادة النظر في الوظائف الفخرية والشرفية الحالية والمستقبلية والحد منها، وإيقاف التعاقد مع الموظفين الذين بلغوا سن التعاقد، سواء كانوا مواطنين أو وافدين بمن فيهم أصحاب الدرجات الخاصة أو الأعلى، والتوصل إلى صيغة قانونية تعالج قضية المستشارين والخبراء في الوحدات الحكومية ومن في حكمهم ممن أكملوا 25 عامًا في الخدمة.
وهي خطوات توجت بوقف وزارة المالية للمكافأة المالية لأصحاب المعالي الوزراء وكبار موظفي الدولة، وهو نهج حكيم يوفر على ميزانية الدولة الكثير، دون المساس بالمواطن خصوصًا محدودي الدخل، حيث أوصت اللجنة برفع الدعم عن الكهرباء والماء عن كل المؤسسات العامة والخاصة وإبقائه على المنشآت السكنية مع ضرورة توجيهه لمستحقيه فقط.

شراكة مع القطاع الخاص
خلال الأشهر الماضية خرج الإطار العام لدور القطاع الخاص في الخطة الخمسية التاسعة من حيز النظرية إلى واقع التطبيق، وتم إنجاز العديد من الخطوات العملية المهمة والتي تعد ترجمة فعلية لأهداف الخطة من حيث زيادة الدور الذي يلعبه القطاع الخاص، حيث تم الإعلان عن شراكات جيدة تجمع بين صناديق الاستثمار الحكومية خاصة صندوق الاحتياط العام وبين شركات من القطاع الخاص في مجالات محددة تستهدف دعم وتعزيز القطاعات الأساسية التي يرتكز عليها النمو خلال فترة الخطة الخمسية مثل الصناعة والتعدين والسياحة، وبوتيرة سريعة لم تكن معتادة في بيئة الأعمال المحلية تم الإعلان عن بدء تنفيذ واحد من أضخم الاستثمارات الأجنبية الخاصة التي شهدتها السلطنة، وهو مشروع المدينة الصناعية الصينية في المنطقة الاقتصادية بالدقم، كما يجري حاليا وبوتيرة متسارعة أيضا الانتهاء من المسودة الخاصة بتعديلات قانون الاستثمار الأجنبي والذي من المنتظر أن يؤدي إصداره إلى نقلة نوعية جديدة في تحسين مناخ الأعمال ودعم تنافسية الاقتصاد، وبالتالي أداء القطاع الخاص ومساهمته في الناتج المحلي بما يؤدي إلى التغلب على التحديات التي تواجه الخطة الخمسية التاسعة وفي صدارتها انخفاض نسب التعمين، وبالتالي ضعف تشغيل القوى العاملة الوطنية في القطاع الخاص، وارتفاع حجم الإنفاق العام، وبقاء معدلات الإنتاجية دون الطموح وهي تحديات تزداد أهمية في ظل التقلبات في أسعار النفط العالمية وانعكاساتها السلبية على الأوضاع المالية للسلطنة، مما يستدعي مواجهة ذلك بإجراءات مناسبة تضمن استدامة الأوضاع المالية وتوفير مناخ اقتصادي كلي مستقر، بجانب توفير فرص العمل الكافية لاستيعاب الباحثين عن عمل حاليًّا والداخلين لسوق العمل خلال الفترة المقبلة.