[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]
” أصبح واضحا أن أزمة الغرب الحالية الساطعة هي أزمة اقتصادياتها و مخزونها النقدي وسوء إدارة النظام العالمي الذي تتصرف في مساراته (السيتي) أي سوق المال اللندنية وهي أقوى من (وول ستريت) وأقدر على المناورة. فهل نحن إذن في منعرج استراتيجي محدق بالمخاطر شبيه بمنعرج أزمة العالم سنة 1929 و التي كانت السبب المباشر في اندلاع الحرب العالمية الثانية (1939-1945)”

كلمة حق رائعة قالها البابا فرنسيس يوم الأحد الماضي 31 يوليو وهو في طريق عودته من مهرجان الشباب المسيحي بمدينة كراكوفي البولونية إلى روما: كلمة من أعلى سلطة روحية في المسيحية قال: إياكم والخلط بين الإسلام والإرهاب فالإرهاب عرفته كل الأديان والإسلام براء منه. وأضاف الحبر الأكبر بأن النظام العالمي الجائر المؤسس على المال هو الإرهاب الأول والأخطر وجاءت كلمته تلك كالصفعة على وجوه اليمين العنصري الغربي والأقلام الغربية التي تتهم الإسلام بالإرهاب. أعتقد أن البابا فك شيفرة من شيفرات العالم الحديث الموصد وما أشبه الأحداث الفاجعة التي تهز العالم اليوم بلعبة الكترونية على كمبيوتر لن تفهم ألغازها إلا إذا حصلت على الكلمة السرية (الباسوورد) فإذا ببعض الأسرار الغامضة تبدو أمامك مفهومة و إذا بالمجهول ينفتح لك مثل مغارة علي بابا لكن قليلا من المحللين حاولوا فك الشفرات لأن أغلب الناس حتى أهل السياسة والثقافة منهم ركنوا الى الراحة و الكسل بل واستقال من بينهم الكثير من التفكير وأثروا الوهم والتخدير ومن ثم خطأ الرؤية وسوء التقدير. كيف نربط بين أحداث تبدو لا رابط بينها تحدث في عالم معقد لا منطق في مساره مثل ما وقع في قرية صغيرة أمنة في شمال فرنسا أقدم فيها شابان بل مراهقان إرهابيان بذبح قس عجوز لا صلة له بتعقيدات العالم وأخطار الواقع ومثل ما وقع في مطار إسطمبول من قتل عشوائي للمسافرين الأبرياء و وجود علاقة بين الإرهابيين وبين ملف الشيشان ثم ما حدث من محاولة الإنقلاب في تركيا وفشلها وصلة أطراف خارجية بهذا الإنقلاب والصلة موجودة بين جميع هذه المصائب وبين التنسيق المتواصل بين العملاقين الأميركي والروسي حول إدارة أزمات العالم وأخرها اللقاء الذي جمع يومي 14 و 15 يوليو في موسكو بين الوزيرين كيري ولافروف حيث أعلنا عن وحدة الرؤية لديهما فيما يتعلق بمسيرة السلام في سوريا ربما تحت ضغط وتأثير المشاهد الدرامية لسكان حلب ومنبج وخشية الدول الأوروبية من موجات هجرات جديدة نحو الجنة الموعودة والمفقودة. وفي ملف أخر صدرت إدانة سياسية الأسبوع الماضي ضد رئيس الحكومة البريطانية الأسبق توني بلير عن لجنة برلمانية تحمل إسم رئيسها (شيلكوت) وهي لجنة بحث وتقصي حول أخطاء الحكومة برئاسة توني بلير في إعلان وإدارة الحرب ضد العراق إنطلاقا من أكاذيب ملفقة لا تستند إلى حجة أو برهان مما ورط المجتمع البريطاني في حرب كلفتها أرواح مئات الجنود و الاف ملايين الجنيهات و استهداف المملكة المتحدة بأعمال إرهابية منظمة أو فردية ثم على صعيد مختلف يسجل المراقبون حالة متردية في مخزون المصارف الأوروبية عموما والإيطالية خاصة و حتى الألمانية المعروفة بصلابتها مع إعلان بنك (إتش أس بي أس) عن أخطاء نقدية وتعاملية سوف تؤدي به ربما إلى الإفلاس بعد أن اضطرته الى اغلاق مئات من فروعه و تسريح 5000 موظف و تقول نشرية (ستراتيجيك ألرت) المطلعة على أسرار المنظومة المالية الدولية أن تدهور بنك ألمانيا (دوتش بنك) هذا العام لا يقل خطرا عن تدهور بنك (ليهمان) الأميركي عام 2008 وهو القطرة التي أفاضت كأس الأزمة العالمية منذ ثمانية أعوام. و يقول المرشح الأسبق للرئاسة الفرنسية جاك شوميناد أن أغلب البنوك الأوروبية لن تسلم من الإفلاس إلا بفضل ضخ أموال المصارف المركزية في دولها أو أموال المصرف المركزي الأوروبي وهي في الحقيقة أموال من جيوب دافع الضرائب الأوروبي المسكين. واصبح واضحا أن أزمة الغرب الحالية الساطعة هي أزمة إقتصادياتها و مخزونها النقدي وسوء إدارة النظام العالمي الذي تتصرف في مساراته (السيتي) أي سوق المال اللندنية وهي أقوى من(وول ستريت) وأقدر على المناورة. فهل نحن إذن في منعرج استراتيجي محدق بالمخاطر شبيه بمنعرج أزمة العالم سنة 1929 و التي كانت السبب المباشر في إندلاع الحرب العالمية الثانية (1939-1945) و التي دمرت القارات الخمسة تحت شعارات النازية الهتلرية و الفاشية الموسولينية و الغطرسة الأمبراطورية اليابانية و العقيدة الرسالية للولايات المتحدة أنذاك. و كانت النتائج المدمرة للبشرية بإبادات جماعية و دك المدن على رؤوس الشعوب ثم إنهاء الحرب بالقاء قنبلتين نوويتين على مدينتين أمنتين في اليابان. هذا السيناريو الذي يبدأ بأزمة اقتصادية تتبعها أزمة أخلاقية ينتهي بتفجير حروب اقليمية لا تفتأ أن تتوسع الى كل بؤر الأزمات و الصراعات وهو الأمر المخيف الذي يدعو إلى وقفة تأمل وإعمال عقل و الجنوح الى السلام. ويعتقد العديد من شرفاء الغرب أن التلويح بالحرب من قبل حلف الناتو ضد كل من روسيا والصين هدفه كسب المعركة النفسية لكن موسكو و بيجين لم تترددا في إعلان التحدي والمزيد من التسلح والتمكن من القوة المالية والاستراتيجية فالصين وحدها تمتلك أكبر مخزون من العملات القوية و أولها الدولار كما أن الصين عززت برنامجها لغزو الفضاء الى درجة أنه أصبح البرنامج الأقوى و يسبق في مبادراته البرامج الأمريكية و الروسية و الأوربية !! فكيف نتصور مصير العالم بدون روسيا والصين ؟ و هنا لا بد أن نعرج على مؤتمر دولي نظمه معهد (شيلر) الألماني الأميركي في برلين يومي 25 و 26 يونيه جوان الماضي و جمع نخبة من الوزراء والبرلمانيين و الأكاديميين من القارات الخمسة اتفقوا فيه على عدة حقائق منها أن جذور العنف كامنة في قلب الفوضى العالمية المسماة كذبا بالنظام العالمي وهو موقف يعزز عبارة البابا الجريئة و منها أن الوضع الدولي اليوم أخطر من وضع الحرب الباردة بسبب الأزمات المالية الغربية و غموض المواقف الغربية و الروسية إزاء قضايا الشرق الأوسط و حالة التوتر في أوكرانيا و بين الكوريتين و دعا المؤتمرون إلى تفعيل طريق الحرير الجديدة ببناء الجسور الاقتصادية و الثقافية و هدم الجدران بين الأمم و انتهوا الى استنتاج موحد وهو أن لا أمل للإنسانية إلا بتغيير جذري في طبيعة العلاقات بين الدول من علاقات قوة إلى علاقات سلام و من رفض للمختلف إلى تعايش بين الأديان و الحضارات . نعم إنه يبدو كالحلم و لكنه حلم ممكن التحقيق بالإرادة المشتركة و تغيير (لوجيسيال) المستقبل من الأعماق.