[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
سؤال من الأسئلة الحائرة الباحثة عن إجابات صريحة وصادقة من بين عمق الأحداث الضاربة أطنابها في رقعة شطرنج المنطقة التي سيقت ـ ولاتزال ـ إلى تسونامي عربي تعددت أشكال حربه العدوانية عليها تحت ذرائع كاذبة وخادعة "الربيع والحرية والعدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان والدولة المدنية" وغيرها من المصطلحات التي أسرجها السواد الأعظم من الشباب العرب، وركبوا صهواتها باتجاه أوطانهم هدمًا وتدميرًا لا بناءً وتنميةً. فكانت كفيلة بتحطيم البنى الحيوية للعقل في دول المنطقة وبخاصة الدول العربية المستهدفة بهذا التسونامي الغادر المخادع بشعاراته الكاذبة والزائفة، وباختراق الثقافة والوعي العروبيين، وفرض ثقافات جديدة وأخلاقيات وسلوكيات لا تمت بصلة إلى حقيقة المجتمعات العربية والإسلامية، لعب فيها الإسلام المسيَّس دورًا كبيرًا عبر رموزه المُعمَّمة التي أُعِدَّ لها منابر إعلامية مبرزة لتتولى غرس الثقافات والأخلاقيات والسلوكيات الجديدة، وتعمل بالتعاون مع مُعدِّي مخطط التسونامي بمسماه الزائف والكاذب "الربيع العربي" على تسطيح مفاهيم ومعاني الأوطان والدولة القطرية والدولة القومية، وتجريدها من سياقاتها الوطنية، مُؤسِّسةً بذلك قاعدة ذهنية لاستلاب الوعي وغسل الأدمغة كلازمة واجبة وضرورية لإيجاد بيئة تقسيمية عرقيًّا وطائفيًّا ومذهبيًّا واجتماعيًّا، حيث جعلت من الفضاء الديني مادة الاستهداف الأولى، ليسهل بذلك إدخال المنطقة في أتون حروب طائفية ومذهبية على النحو المشاهد، حيث أخذت هذه الحروب تكتظ بمُقوِّمات القتل وسفك الدم والتدمير، مع ما يستوجبه ذلك من قدر مطلوب من التضليل والاختلاط لسلب الوعي الوطني والقومي إلى مجاهل ومناطق متداخلة، عبر الفتاوى المباشرة الصادرة من رموز الإسلام المسيَّس ومن خلال المنابر المُعدَّة لها خصيصًا، باستحلال إراقة الدماء وإزهاق الأرواح لقيادات سياسية ودينية تحت طائلة أن هذه القيادات هي العقبة الكأداء أمام الشباب المندفع الراكب لصهوات "الحرية والديمقراطية والعدالة والدولة المدنية وحقوق الإنسان"! وهو ما مثَّل نجاحًا منقطع النظير من حيث قيام الشباب المندفعين والمسلوبي الوعي بتنفيذ الجريمة بصورة دموية متعمقة، والتعمية على المجرم الحقيقي الذي يُخطِّط ويُموِّل ويُنفِّذ.
وأمام هذا الواقع الكارثي المركَّب والذي ليس ثمة في الأفق ما يشير إلى إمكانية انقشاع غبار التعمية والاستلاب، والانتقال إلى صحوة عربية، أطلقت يوم الخميس الماضي بمقر جامعة الدول العربية المبادرة الإقليمية "نحكي عن أوطاننا" بالتعاون والتنسيق مع مجلس الشباب العربي للتنمية المتكاملة. وتهدف المبادرة إلى ترسيخ الانتماء والاعتزاز بالوطن، وذلك بدعوة الشباب العربي للمشاركة في التعبير عن تاريخ ورموز بلادهم تاريخيًّا وحاضرًا ومستقبلًا من خلال وسائل التعبير المختلفة للتعبير عن أوطانهم.
ولا ندري هل هذه المبادرة هي عبارة عن تكفير من جامعة الدول العربية عن دورها الكبير ومشاركتها الفاعلة في تسهيل مرور التسونامي الصهيو ـ غربي الجارف بمسماه الزائف والكاذب "الربيع العربي"، سواء بالذهاب إلى مجلس الأمن الدولي لاستجدائه باستصدار قرار يسمح لآلة الحرب الأطلسية الغاشمة لمباشرة عملية التدمير الممنهج لدول أعضاء فيها ومُؤسِّسة لها مثل ليبيا وسوريا، أو بتحركها الذاتي بفرض عقوبات اقتصادية ظالمة وجائرة على الشعب السوري، ودعوة أعضائها لفتح صنابير أموالهم لعقد صفقات سلاح لإمداد التنظيمات الإرهابية بها، فتكامل دور جامعة الدول العربية مع دور رموز الإسلام المسيَّس في إيجاد مناخات بشرية في مناطق بالدول العربية المستهدفة "ليبيا وسوريا تحديدًا" قدمت الحاضنة المقيتة لما أراده مُعِدُّو تسونامي "الربيع العربي". وإمعانًا في هذا الانحدار والانحطاط لم تكتفِ بذلك، بل تقلدت وظيفة التبرير، فوصفت الشباب بـ"الثوار" وما يقومون به من عمليات إرهابية وتخريبية وتدميرية ضد أوطانهم بـ"ثورة" ضد الظلم والاستبداد، دون أدنى اكتراث بالإثم الأخلاقي والديني والسياسي؟!
والمثير للسخرية والمبكي في الوقت ذاته، هو ماذا تبقى من الرموز والشواهد التاريخية حاضرًا ومستقبلًا في الدول العربية وبخاصة المستهدفة والتي تريد جامعة الدول العربية من الشباب التعبير عنها، خاصة بعدما سُلب وعيُهم وغُرِّر بهم، وشُكِّل منهم تنظيمات إرهابية دمرت ـ ولا تزال تدمر ـ كل الشواهد والرموز التاريخية والحضارية؟ فأين المتاحف والقلاع والحصون في العراق وسوريا وليبيا؟ حتى قبور هذه الرموز من العلماء والصحابة لم تنجُ من أفعالهم الشائنة والقبيحة؟ فإذا كان الرمز الميت والشاهد التاريخي الماضي لم يسلم، فأي رمز وشاهد حاضر ومستقبلي سيتحدثون ويحكون عنه؟
في الحقيقة، لم يبقَ من هذه الرموز والشواهد إلا مفتو حلف شمال الأطلسي "الناتو" والمقابر المدمرة والأطلال والخراب واليباب، فقد قُتِلَت الأوطان ونُحِرت من الوريد إلى الوريد، واستُبدلت أخلاق العروبة والإسلام، ومُزِّقت الهوية الوطنية والهوية العربية الجامعة، وحلت محلها أخلاق صهيو ـ غربية منحلة، فأصبحت العمالة والخيانة والتآمر على الأوطان في عرفها الجديد سفنًا نحو "الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والمساواة".
في تقديري أن على جامعة الدول العربية ـ إذا ما أرادت أن تنجح في مبادرتها ـ أن تبدأ بتصحيح أخطائها الكارثية بحق الشباب وبحق دول أعضاء بها، وأن تبدأ بتصحيح المفاهيم المغلوطة وترسيخ القيم والمبادئ ومعاني الاعتزاز بالأوطان والهويات والانتماء إليها، وأن ما يفعله الشباب من جرائم بحق أوطانهم هو إرهاب وليس "ثورة"، وهو خدمة للاستعمار الصهيوني ـ الأميركي ـ الغربي؛ لكي يحكوا بحق عن رموز وشواهد بلادهم، فحتى أولئك الشباب الذين سلموا من تسونامي "الربيع العربي" ماذا ترك لهم من جرفهم هذا التسونامي لكي يحكوا عنه؟