اصداف : يحبون ويمقتون “نظرية المؤامرة” ( 2-2 )
وإذا انتقل الحديث عن تفسير لظواهر جديدة تحتاج إلى دراسة الظواهر المشابهة في التاريخ وكيف نشأت وما اسباب بروزها وهل هناك عمر افتراضي لها، وما هي الأسس العلمية التي تقوم عليها، فإن التعويض عن كل هذا العناء والتعب والغوص في أعماق الكتب والمراجع واجراء المقارنات يمكن الاستعاضة عنه برمي الاتهامات واللجوء إلى نظرية “المؤامرة ” لأنها اسهل الطرق التي يمكن سلوكها ، كما أنها تقلل الصداع ولا تدخل صاحبها في إتون الفكر والعقل والبحث في الزوايا لإضاءة جوهر القضية والوصول إلى قناعات سليمة.
ويعشق الناس “نظرية المؤامرة” عندما يتعلق الأمر بالحكومات التي تخرج عن الاطر التقليدية في علاقاتها مع مواطنيها، أي عندما تنتشر انتهاكات حقوق الإنسان وتمتليء السجون بالابرياء وتنتشر عمليات التعذيب البشع بحق الأبرياء، وتنتفخ حسابات المسؤولين ولا يجد الناس ما يسد قوتهم، وعندما يتراجع الأمن ويصبح الناس معرضين للقتل والاختطاف والابتزاز في كل مكان، وعندما يتراجع التعليم لدرجة أن الجهل يصبح أحد الأخطار الرئيسية التي تهدد البنية المجتمعية، وعندما تختفي الطرق المعبدة ويتراجع أداء المشافي ويصبح الحصول على الدواء من المحن اليومية للناس.
في أجواء واضحة وزاخرة بالخوف والجوع والمرض وغياب التعليم تصبح الحكومات التي على هذه الشاكلة معرضة للاتهام بتآمرها على ناسها، وتبدأ “نظرية المؤامرة” اكثر فاعلية وحضورا عند الناس ، الذين يلجأون لتفسير كل ذلك في ضوء المتغيرات الإقليمية والدولية في السياسة والاقتصاد والمعتقدات.
لكن الطبقة التي لا يشملها الواقع المأساوي الذي أشرنا إليه لن تقبل بتلك النظرية “المؤامرة” وبهذا تنشق المجتمعات إلى محب لـ”نظرية المؤامرة ” وماقت لها.