■ باجتياح تركيا الأراضي السورية دون تنسيق مسبق أو اتفاق بين دمشق وأنقرة، تدخل الأزمة السورية مرحلة جديدة من التصعيد، ذلك أن هذا الاجتياح يأتي خارج الأعراف الدبلوماسية والقوانين الدولية ذات العلاقة بسيادة الدول، وبالتالي إعطاء تركيا الحق لنفسها بانتهاك سيادة دولة عربية مستقلة تحت أي مضمون كان حتى لو كان محاربة الإرهاب ـ كما تدَّعي أنقرة ذلك ـ إنما هو انتهاك صارخ وتدخل سافر، ولا يقع تحت العناوين المعلنة، ولا يمت بكل الشعارات المرفوعة من قبل تركيا ومن واشنطن؛ بدليل أن العملية العسكرية لا تستهدف فقط طرد إرهابيي تنظيم «داعش» وحزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) كما تقول أنقرة، وإنما جوهر العملية العسكرية يقوم على عملية إحلال وتبديل لتنظيمات إرهابية محل أخرى؛ أي أن ما يجري هو تغيير لأقنعة الإرهاب وتقديم المقنَّعين بها على أنهم «معارضة سورية معتدلة»، وهذا في حد ذاته استغفال وضحك على الذقون، واستغباء وتسطيح للمفاهيم. فمن قبل أن يشهر سلاح إرهابه في وجه وطنه ودولته لا يمكن أن يوصف بأنه «معارض»، وبالتالي ما يجري على أرض سوريا هو محاولة الإتيان بتنظيمات إرهابية تكون أكثر ولاءً لمن أتى بها وموثوقًا بها وقادرة على تحقيق أهداف أسيادها.

الإدانة السورية الرسمية للانتهاك التركي بعبور دبابات ومدرعات الجيش التركي إلى مدينة جرابلس تحت غطاء جوي من طيران التحالف الأميركي الذي تقوده واشنطن واعتباره خرقًا سافرًا لسيادة سوريا، لا تنفي فحسب الاتهامات الموجهة إلى دمشق بأن هذه العملية العسكرية التركية تتم بتنسيق بين الحكومتين التركية والسورية، وإنما لها تفاعلاتها، ذلك أنها تأتي في ظل تدخلات أميركية سافرة تحاول واشنطن من خلالها تعقيد المشهد، وتأزيم الأوضاع وضرب المكونات السورية بعضها ببعض، وتفجير العلاقة بين المكونات والحكومة السورية، من أجل التشويش على مسار العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش العربي السوري وحلفاؤه في مدينة حلب وملاحقته فلول الإرهاب هناك، وهو ما بدا يمثل انتكاسة ليس لهذه التنظيمات الإرهابية التي راهنت عليها الولايات المتحدة في تفجير الدولة السورية وتمزيقها، وإنما للمخطط الصهيو ـ أميركي ذاته في سوريا.
لذلك، التحرك الأميركي لمحاولة جر تركيا إلى بيت الطاعة الأميركي على خلفية الخلافات الحاصلة بين أنقرة وواشنطن لرفض الأخيرة تسليم المعارض التركي عبدالله جولن إلى أنقرة على خلفية اتهامه بالضلوع في الانقلاب الفاشل، ومنع أي تقارب تركي ـ روسي ـ إيراني قد يؤثر على المخطط الصهيو ـ أميركي في سوريا، تبدو مساراته واضحة وهو إمكانية العودة إلى المربع الأول بتنفيذ ما كانت تحلم به أنقرة منذ بداية تفجير المؤامرة على سوريا، وهو إقامة ما يسمى «مناطق حظر جوي أو مناطق آمنة»، تحت ذريعة عدم تمكين قيام دولة كردية على الحدود التركية، ومحاربة تنظيم «داعش» الإرهابي. إن هذا التطور الخطير بإعطاء أنقرة نفسها الحق في انتهاك سيادة دولة مستقلة وذات سيادة، وإحلال تنظيمات إرهابية مكان أخرى تكون أكثر ولاء وتبعية وموثوقية، يؤكد عدم حصول أي تغيير حقيقي جذري، سواء للموقف التركي أو الموقف الأميركي حيال محاربة الإرهاب، وإنما ما يتم هو أشبه ببروباجندا؛ بدليل أن لو كانت هناك مصداقية وجدية في محاربة الإرهاب لتمت العملية العسكرية التركية المسنودة بالتحالف الأميركي بتنسيق مع الحكومة السورية الشرعية، ومن ثم تسليم هذه الحكومة المناطق السورية المحررة من قبضة تنظيم «داعش» الإرهابي وغيره من التنظيمات الإرهابية. ومن هنا يحق للدولة السورية استخدام جميع الوسائل لإخراج هذه القوات، وردع هذا الانتهاك؛ لأنه يعد عدوانًا واحتلالًا قانونًا. ■