ريو دي جانيرو ــ وكالات: بعد أربعة عقود، تعود ديلما روسيف الى قفص الاتهام من جديد ليس بصفتها مناضلة في عهد الحكم الديكتاتوري بل كرئيسة للبرازيل، وترفض الاستسلام. وقالت روسيف قبل يومين من بداية جلسات مجلس الشيوخ للبت في مسألة اقضائها عن السلطة نهائيا "ناضلت كل حياتي ضد التعذيب، ضد السرطان، وسأكافح الان ضد اي ظلم". ومنذ بداية اجراءات اقالتها المثيرة للجدل التي تعتبرها "انقلابا" برلمانيا، تبدو الزعيمة اليسارية البالغة من العمر 68 عاما ثابتة في مواقفها على الاقل امام الجمهور. ولم تبك يوما او تتخل عن نبرتها الحادة. وديلما روسيف ناشطة سابقة تعرضت للتعذيب ابان النظام العسكري الديكتاتوري (1964-1985). وقد وصفها قاض يوما بانها "زعيمة التخريب". وستخضع لاختبار جديد لصلابتها الاثنين عندما تدافع عن نفسها في مجلس الشيوخ المعادي لها الذي تحول الى محكمة ويفترض ان يبدأ جلساته اليوم الخميس. وسيصدر الحكم النهائي حوالى الحادي والثلاثين من اغسطس. وبرئاسة رئيس المحكمة العليا، سيقرر هذا الاجتماع العام لمجلس الشيوخ باعضائه الـ81 ما اذا كانت روسيف يجب ان تغادر الرئاسة او لا بتهمة التلاعب بالحسابات العامة وتوقيع مراسيم تنص على نفقات لم تكن مقررة بدون موافقة البرلمان. واذا ادينت ديلما روسيف، فستفقد منصبها مباشرة. واذا تمت تبرئتها، فستعود روسيف الى منصبها على الفور حتى انتهاء ولايتها الثانية في نهاية 2018. لكن هذا السيناريو غير مرجح. فحسب ارقام نشرتها الصحف البرازيلية، يؤيد بين 58 و61 عضوا في مجلس الشيوخ اقالة الرئيسة وهو عدد اكبر من المطلوب (54 عضوا) بشكل واضح.
وسينهي قرار كهذا في حال صدوره 13 عاما من حكم حزب العمال على رأس البرازيل، شهدت فورة اجتماعية واقتصادية كبيرة في عهد الرئيس لويس ايناسيو لولا دا سيلفا (2003-2010) اخرجت نحو اربعين مليون نسمة من الفقر بفضل برامج اجتماعية.
ولدت ديلما روسيف في ديسمبر 1947 في ميناس جيريس لاب بلغاري مهاجر وام برازيلية وناضلت في صفوف حركة المقاومة المسلحة في اوج الدكتاتورية في البرازيل. وتم توقيفها في يناير 1970 في ساو باولو وحكم عليها بالسجن ست سنوات غير انه افرج عنها في نهاية 1972 دون ان تخضع تحت وطأة التعذيب. وفي بداية 1980 ساهمت في اعادة تاسيس الحزب الديموقراطي العمالي (يسار شعبوي) بزعامة ليونيل بريزولا قبل انضمامها الى حزب العمال في 1986. وقد اكتشف لولا هذه الخبيرة الاقتصادية التي تتمتع بمواهب ادارية مهمة وعينها وزيرة للمناجم ومديرة لمكتبه. ثم اصبحت وريثته بعد فضيحة اولى للفساد طالت قيادة حزبهما. ولم تكن قد انتخبت من قبل. فقبل فوزها في الولاية الرئاسية الاولى، لم تكن روسيف قد خاضت اي انتخابات في السابق وكانت شبه مجهولة بالنسبة للبرازيليين. وقد فرضها لولا في 2009 كمرشحة لحزب حزب العمال (يساري) بينما لم تكن ضمن الشخصيات التاريخية في الحزب. وروسيف لا تتمتع بقدرات خطابية وتتسم بالتسلط وكانت تقمع وزراءها علنا مع ازدراء بالبرلمان.
خلال اربع سنوات من الرئاسة، تابعت روسيف بنجاح المعركة التي بدأها لولا لمكافحة التفاوت الاجتماعي في البرازيل. لكن للمفارقات فان اداءها خلف خيبة امل لدى البرازيليين لا سيما في الشق الاقتصادي. وفي بداية ولايتها الاولى كانت شعبيتها تبلغ 77 بالمئة. وقد اعجب البرازيليون بهذا "المراة الحديدية". لكن منذ 2015 بدأت شعبيتها تتراجع الى ان وصلت الى عتبة تاريخية تبلغ 10 بالمئة وبات اكثر من ستين بالمئة من البرازيليين يرغبون في رحيلها. وهي تستيقظ في الساعة السادسة من صباح كل يوم لتمارس ركوب الدراجة لمدة خمسين دقيقة للتخفيف من الضغط. وما ادى الى هذا الوضع هو عاصفة شملت في وقت واحد أزمة سياسية وانكماش اقتصادي وفضيحة فساد، وتنفي روسيف بشدة هذا الاتهام مع انها كانت وزيرة للمناجم والطاقة ورئيسة مجلس ادارة بتروبراس في الماضي.