أنس فرج محمد فرج
في هذه الأيام المباركة يستعد كثير من الناس في مشارق الأرض ومغاربها لأداء فريضة عظيمة فرضها الله تعالى على المستطيع من أمة النبى )صلى الله عليه وسلم( إنها فريضة الحج إلى بيت الله الحرام وقد نوه القرآن الكريم بشأنها وقرر كثيراً من أحكامها وآدابها قال تعالى:(ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) )آل عمران ـ 97)، وقال تعالى في (سورة البقرة ـ الآية 158):(إن الصفا والمرة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما)، وقال تعالى:(فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم) (البقرة ـ 198)، وجاءت السنة المطهرة ببيان جميع مناسكه وما يجب أن يقصد به من امتلاء القلوب بتعظيم الخالق جل وعلا وتنقية النفوس من الأهواء الفاسدة وتمرين الجوارح على إخلاص الطاعة له سبحانه وغير ذلك من المقاصد النبيلة التي إذا تحققت لكان الحج من أعظم الوسائل لإنقاذ الأمة الإسلامية مما سارت إليه من تدهور وتأخر وصدق الله العظيم إذ يقول:(ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله فى أيام معلومات) (الحج ـ 28).
وإذا كان الحج وفادة إلى الله تعالى فى تلك البقاع المقدسة وركنا من أركان الإسلام فإن على الإنسان الذى يقصده أن يتعلم المناسك قبل أن يشرع في السفر شأنه في ذلك شأن من يريد الصلاة المكتوبة فكما أنه لا بد للمكلف من تعلم شروط الصلاة وأركانها قبل الشروع فيها، فكذلك ينبغى لمن أراد الحج أن يكون ملما بواجباته وما يتوقف عليه صحته حتى يشرع فيه على بصيرة.
ومن أجمع خصال البر التي يحتاج إليها الحاج صنع المعروف فقد وصى النبي (صلى الله عليه وسلم) رجلاً سأله عن ذلك فقد جاء في مسند الأمام أحمد عن أبي تميمة الهجيمي عن رجل من قومه قال لقيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في بعض طرق المدينة وسألته عن المعروف فقال:(لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تعطي صلة الحبل ولو أن تعطي شسع النعل ولو أن تنزع من دلوك في إناء المستسقي ولو أن تنحي الشيء من طريق الناس يؤذيهم ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منطلق ولو أن تلقى أخاك فتسلم عليه ولو أن تؤنس الوحشان في الأرض وإن سبك رجل بشيء يعلمه فيك وأنت تعلم فيه نحوه فلا تسبه فيكون أجره لك ووزره عليه وما سر أذنك أن تسمعه فاعمل به وما ساء أذنك أن تسمعه فاجتنبه).
وقديماً قالوا:(إن المروءة فى السفر بذل الزاد وقلة الخلاف بين الأصحاب والمخالطة بالمعروف والصبر على الأذى والمزاح فى غير ما يغضب الله)، وقد مدح الله المتقين من عباده بذلك فقال:(الذين ينفقون فى السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) (آل عمران ـ 134).
ومن أبر البر أخى القارئ الكريم كثرة ذكر الله تعالى وإظهار العبودية بالتذلل له جل شأنه وترك مظاهر التفاخر والتباهى ووقوف الحاج موقف الخاشع لربه الحامد لمولاه المستغفر من الزلات المستقيل من العثرات الملازم لأبواب رحمته وإحسانه الراجي عفوه وغفرانه ومما يتحقق به البر اجتناب أفعال الإثم كلها من الرفث فلا يقول كذباً ولا يفحِش في القول ولا يلغو في الكلام ولا يقترف شيئاً من المحظورات كالإيذاء والمضارة والتنابز بالألقاب والجدال الذى يفضي إلى السباب والتكذيب وعلى الحاج أن يؤدي كل ما عليه من حقوق وواجبات لله تعالى ولعباده فعليه أن يتطهر من المعاصي قبل خروجه فيتوب إلى الله عز وجل ويستغفره ويتخلص من جميع التبعات المادية والمعنوية فيؤدي ما عليه من الحقوق المادية للناس وأن يتطهر من المعاصي ظاهرها وباطنها وعليه أن ينظر إلى المال الذي سيحج به أهو من حلال أم من حرام فقد ورد أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال:(إذا خرج الرجل حاجا بنفقة طيبة ووضع رجله في الغرز (الركاب) فنادى لبيك اللهم لبيك ناداه مناد من السماء لبيك وسعديك والخير بيديك زادك حلال وراحلتك حلال وحجك مبرور غير مأزور وإذا خرج بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز فنادى لبيك اللهم لبيك ناداه مناد من السماء لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك زادك حرام وراحلتك حرام وحجك مأزور غير مأجور) ـ وفي رواية زاد فيها: (.. فآنى يستجاب له).
وعيك أخي القارئ الحاج أن تبادر بالتوبة ورد المظالم لأصحابها وتطلب السماح من صاحب الدين إن كان عليك دين إلى حين العودة وأن تكون وصيتك لأهلك بإخراج الدين لصاحبه من تركتي إن مت قبل سداد ديني وأن يكون الحج والعمرة لله تعالى حتى لا يضيع ثوابك وتكون من هؤلاء المرائين الذين لا ثواب لهم في الآخرة يقول الله تعالى للمرائي يوم القيامة:(اذهب أيها المرائي إلى من كنت ترائي فاطلب منه ثوابك فليس لك عندي ثواب) والله إنها لمصيبة كبرى بأن لا يجد الإنسان ثواباً عند الله تعالى فقد خاب وخسر، وجاء في الحديث القدسي:(أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل لى عملاً أشرك فيه غيري فأنا منه بريء وهو للذي أشرك) صدق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيما بلغ عن رب العزة والجلال.
كما يجب على الحاج أن يحسن اختيار الرفيق الذي سيصحبه في هذه الرحلة الروحية حتى يكون له معينا على طاعة الله تعالى ويجب على الحاج أن يتعود الجود والكرم والسخاء والبذل والعطاء وأن يبادر بالمساعدة لكل من يحتاج وأن يتجرد من الشهوات وأن يبتعد عن المحرمات ويتجنب الذنوب والآثام وأن يتحلى بمكارم الأخلاق وأن ينقي قلبه من السوء لإخوانه وأن لا يضمر شراً لأحد وأن يعامل الناس بما يحب أن يعاملوه ويحب لهم من الخير ما يحبه لنفسه ويحرص على أن تكون حجته صحيحة غير ناقصة الأركان والواجبات كل في وقته حسب ما شرع الله تعالى ورسوله فهو لا يدرى أفي العمر بقية لحجة أخرى؟ .. هذا والله تعالى أعلى وأعلم.