اعداد ـ أم يوسف
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين الى يوم الدين. نكمل بقية قصة نوح ـ عليه السلام ـ من خلال عرض لتفسير آيات من سورة هود ـ عليه السلام .. والله الموفق.
قال تعالى:(وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ * وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ * وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)
قوله تعالى:(وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا) أمر بالركوب، ويحتمل أن يكون من الله تعالى، ويحتمل أن يكون من نوح لقومه، والركوب العلو على ظهر الشيء، ويقال: ركبه الدين، وفي الكلام حذف أي: اركبوا الماء في السفينة، وقيل: المعنى اركبوها، و(في) للتأكيد كقوله تعالى:(إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ) (يوسف ـ 43)، وفائدة (في) أنهم أمروا أن يكونوا في جوفها لا على ظهرها، قال عكرمة: ركب نوح ـ عليه السلام ـ في الفلك لعشر خلون من رجب، واستوت على الجودي لعشر خلون من المحرم فذلك ستة أشهر، وقال قتادة: وزاد وهو يوم عاشوراء، فقال لمن كان معه: من كان صائماً فليتم صومه، ومن لم يكن صائماً فليصمه، وذكر الطبري في هذا حديثاً عن النبي (صلى الله عليه وسلم):(أن نوحاً ركب في السفينة أول يوم من رجب، وصام الشهر أجمع، وجرت بهم السفينة إلى يوم عاشوراء، ففيه أرست على الجودي، فصامه نوح ومن معه)، وذكر الطبري عن ابن إسحاق ما يقتضي أنه أقام على الماء نحو السنة، ومرت بالبيت فطافت به سبعاً، وقد رفعه الله عن الغرق فلم ينله غرق، ثم مضت إلى اليمن ورجعت إلى الجودي فاستوت عليه.
قوله تعالى:(بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا) قراءة أهل الحرمين وأهل البصرة بضم الميم فيهما إلا من شذ، على معنى بسم الله إجراؤها وإرساؤها، فمجراها ومرساها في موضع رفع بالابتداء ويجوز أن تكون في موضع نصب، ويكون التقدير: بسم الله وقت إجرائها ثم حذف وقت، وأقيم (مجراها) مقامه. وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي:(بسم الله مَجريها) بفتح الميم و(مُرساها) بضم الميم، وروى يحيى بن عيسى عن الأعمش عن يحيى بن وثاب (بسم الله مَجراها ومَرساها) بفتح الميم فيهما على المصدر من جرت تجري جرياً ومجرى، ورست رسواً ومرسى إذا ثبتت، وقرأ مجاهد وسليمان بن جندب وعاصم الجحدري وأبو رجاء العطاردي:(بسم الله مُجريها ومُرسيها) نعت لله عز وجل في موضع جر، ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمار مبتدأ أي: هو مجريها ومرسيها، ويجوز النصب على الحال، وقال الضحاك: كان نوح ـ عليه السلام ـ إذا قال بسم الله مجراها جرت، وإذا قال بسم الله مرساها رست، وروى مروان بن سالم عن طلحة بن عبدالله بن كريز عن الحسين بن علي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال:(أمان لأمتي من الغرق إذا ركبوا في الفلك بسم الله الرحمن الرحيم (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (الزمر ـ 67)، (بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ).
قوله تعالى:(إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) أي: لأهل السفينة، وروي عن ابن عباس قال:(لما كثرت الأرواث والأقذار أوحى الله إلى نوح اغمز ذنب الفيل، فوقع منه خنزير وخنزيرة فأقبلا على الروث، فقال نوح: لو غمزت ذنب هذا الخنزير! ففعل، فخرج منه فأر وفأرة فلما وقعا أقبلا على السفينة وحبالها تقرضها، وتقرض الأمتعة والأزواد حتى خافوا عل حبال السفينة فأوحى الله إلى نوح أن امسح جبهة الأسد فمسحها، فخرج منها سنوران (قطان) فأكلا الفئرة، ولما حمل الأسد في السفينة قال: يا رب من أين أطعمه؟ قال: سوف أشغله، فأخذته الحمى فهو الدهر محموم، قال ابن عباس:(وأول ما حمل نوح من البهائم في الفلك حمل الإوزة، وآخر ما حمل حمل الحمار)، قال: وتعلق إبليس بذنبه، ويداه قد دخلتا في السفينة، ورجلاه خارجة بعد فجعل الحمار يضطرب ولا يستطيع أن يدخل، فصاح به نوح: ادخل ويلك فجعل يضطرب، فقال: ادخل ويلك وإن كان معك الشيطان، كلمة زلت على لسانه ، فدخل ووثب الشيطان فدخل، ثم إن نوحاً رآه يغني في السفينة، فقال له: يا لعين ما أدخلك بيتي؟ قال: أنت أذنت لي، فذكر له، فقال له: قم فأخرج. قال: مالك بد في أن تحملني معك، فكان فيما يزعمون في ظهر الفلك، وكان مع نوح ـ عليه السلام ـ خرزتان مضيئتان، واحدة مكان الشمس، والأخرى مكان القمر، قال ابن عباس:(إحداهما بيضاء كبياض النهار، والأخرى سوداء كسواد الليل) فكان يعرف بهما مواقيت الصلاة فإذا أمسوا غلب سواد هذه بياض هذه، وإذا أصبحوا غلب بياض هذه سواد هذه على قدر الساعات .. والله أعلم.
.. يتبع بمشيئة الله.