منى سيف
وحيدا على مقعد حديقة عامة جلستُ أحصي خيباتي. لم تفلح محاولاتي في إيجاد عمل يكسر روتين يومي كما أن كرت الواسطة سقط من جيبي المثقوب. يعبث الملل بي ويطبخ مزاجي على نار هادئة. وحيدا على المقعد أراقب حركة العالم لجهات عملهم وأنا لا عمل لي غير قضم أظافري وتلويث الهواء بتنهداتي.
أتحسس جيبي بين الحين والحين خشية أن أخسر ما بقي. وأجري حسابات لأقسم الفتات إلى فتات إلى فتات أصغر منه تعصرني مرارة الناتج المكون من أعداد عشرية فأبلع غصتي وأعود أراقب حركة المارة.
أثناء اندماجي مع أفكاري لم أنتبه للرجل الجالس على الجهة الأخرى مطرق الرأس يفتح كتابا لا يقرأه. تلاقت نظاراتنا وابتسم لي. سحبت شفتي بابتسامة مصطنعة. مرت دقائق صمت بيننا. ولمحته بطرف عيني يغلق الكتاب وعدل جلسته ليواجهني. سألني وهو يشير للكتاب
- هل تعرف هذا الكاتب؟
ركزت بصري على الاسم" كريم الكرملّي"
مر عليَ وقت طويل منذ آخر مرة فتحت فيها كتابا ولا أذكر حتى اسمه. دفعني الكدر لاختراع كذبة سريعة قلت لنفسي لا بأس بقليل من التسلية فأجبته بحماس

- حق المعرفة. كنا على مقعد دراسي واحد.
- حقا؟ حدثني عنه؟ هل كان متفوقا؟
- لا..لم يكن كذلك وإلا لما صار كاتبا.
قطّب حاجبيه ينقل بصره بيني وبين الكتاب
كشّرتُ عن أنيابي مضيفا
- كان يتعرض للعقاب بشكل يومي. لا يؤدي فروضه وغالب الوقت سارح في خياله. لم يغب عنه وصف"كسول، بليد،مهمل،فاشل" ..
قاطعني
- لكنه الآن كاتب ناجح. خاصة روايته البطيخة والشمندرة..هل قرأتها؟
بحدة أجبت
- بالطبع . وهي أسوأ ما كتب..حتى أنه..
لبرهة أحسست أني تماديت في انفعالي المصطنع. ولمحت في عينيه انفضاح أمري. استقام واقفا ومد لي الكتاب قال مبتسما" لم أعرفك على نفسي أنا كريم الكرملّي الكسول البليد الفاشل.. سعدت جدا بالتعرف إليك. كنت أبحث عن فكرة لروايتي القادمة..
قالها ومضى..وبقيت وحيدا على مقعد حديقة عامة.. أنقل بصري بين كتاب الكرملّي والمارة. وأقضم أظافري.