[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/alwatanopinion.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]راي الوطن[/author]

من الأشياء اللافتة والثابتة في الأزمة السورية هي أن رتم الأحداث لم يتوقف عن التسارع كعادته ولو لحظة، ولكنه تسارع مربك للأطراف المتآمرة، وذلك للأداء البطولي والصمود الأسطوري لسوريا شعبًا وجيشًا وقيادةً أمام أعتى قوى دولية وإقليمية لديها من الخبرات المتراكمة الكثير في توظيف الإرهاب سلاحًا لتدمير الإنسانية بل والحياة، وإبادة البشر بالبشر، ولعل ما زاد هذه الخبرة تراكمًا الفوضى العارمة الخارجة من رحم كذبة "الربيع العربي" والتي تحولت إلى كرات لهب وإرهاب تحرق الدول المصابة بداء كذبة "الربيع".
ومن الواضح أن هذا الرتم المتسارع في الأحداث بدأ يشعر به وبضغوطه دعاة "الحرية والديمقراطية وحماية حقوق الإنسان"، لا سيما بعدما أصبحت كل مراهناتهم تتحطم على صخرة الصمود السوري، في وقت يرون فيه أن الطريق إلى مؤتمر جنيف الثاني تبدو سالكة وأن التحضيرات تسير على قدم وساق، ولكن يقلِّبون أكفهم رغم ما بذلوه من دعم مالي وتسليحي غير مسبوق للجماعات الإرهابية التي عولوا عليها أن تمنحهم أوراقًا من القوة بمكان تمكنهم من التفاوض، فما المخرج من هذا الوضع الآسن للقوى الداعمة للإرهاب وأدواتها الإرهابية؟
المخرج أن يقوم الرعاة والمتحالفون مع الإرهاب وأدواته تلميع أدواتهم الإرهابية والتخلص من الأجنحة التي أصبحت منبوذة دوليًّا من هذه الأجنحة، من خلال الدفع بالأجنحة الأخرى للقيام بتصفية إحدى جماعاتهم وأدواتهم الإرهابية التي شغلوها ودعموها جماعة متطرفة وهي ما تسمى "الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام" (داعش) خاصة بعد أن أعلنت عزمها إقامة دولة إسلامية لها في العراق والشام، فكان القرار بالتضحية بها في العراق وسوريا بحجة أنها جماعة متطرفة، وأن القوى الداعمة للإرهاب لا تدعم سوى الجماعات "المعتدلة"؛ أي تحاول الأطراف الداعمة للجماعات الإرهابية تلميع الوجه القبيح للإرهاب بالحديث عن جماعات متطرفة وجماعات "معتدلة"، في حين أن الجامع بينها هو الإرهاب ولا حقيقة لما يروج له من "اعتدال"، بل هناك تطرف وغلو وإرهاب لم يسبق له مثيل ولم تشهده الأرض من قبل.
واضح أن الهدف من هذا التلميع هو إعداد الأطراف الداعمة للإرهاب لجماعات إرهابية تحت مسمى "الاعتدال" من أجل الذهاب إلى مؤتمر جنيف الثاني تحت شعار "محاربة الإرهاب"، لعل هذا المدخل يسمح بتوظيفه ورقة يمكن التفاوض بها بعد أن احترقت جميع الأوراق وسقطت كافة المراهنات وتهاوت كل الأقنعة.
إن من يقتل مدنيًّا أو جنديًّا يذود عن حياض وطنه هو إرهابي خارج على القانون والشرعية وتجب محاربته ومكافحته ـ فما بالك بعمليات التفجير والعمليات الانتحارية وقطع الرؤوس وانتزاع الكبود والقلوب ـ وبالتالي لا يجوز التلاعب بالألفاظ والتصنيف: هذا متطرف وهذا "معتدل". فالحامل للسلاح ليقتل به ـ عن سبق إصرار وترصد ـ المدنيين والقوات المكلفة بحفظ الأمن والدفاع ليس له وصف غير أنه إرهابي ومأجور أيضًا، لذلك فإن تصاعد الاقتتال الجماعات الإرهابية على الأرض السورية وسقوط عشرات القتلى بينهم بسبب الغنائم المتأتية من عمليات النهب لأملاك الدولة السورية والمواطنين السوريين وحده كافٍ للتدليل على أن ما يحدث في سوريا هو إرهاب بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ولا حقيقة لما يسمى "ثورة".
إن هذا التطور على صعيد تركيبة هذه التنظيمات والعصابات الإرهابية والمرتزقة والتكفيرية ليس جديدًا، وكذلك ليست جديدة محاولات المشغِّلين بإدخال بعض التحسينات في جسم هذه العصابات، فهذا يعبر عن مدى التخبط والانكسار والانهيار والافتضاح ومحاولة البحث عن بدائل لعلها تكون نافعة لترميم ما انهار وانكسر، قبل موعد انعقاد المؤتمر.