لا تزال منطقة داريا بريف دمشق توالي تقديم البراهين الفاضحة لحقيقة ما خطط بليل ضد سوريا لاستهدافها، وما سُكِبَ من تحريض وتشويه بحقها وبحق جيشها وحكومتها، وأن الفبركة والدعاية والتحريض والتشويه كان حالة لازمة تتطلبها الهجمة الإرهابية الشرسة لكي تكتمل فصولها وتنطلي على عوام الناس وبسطائهم، ويمكن بها تسطيح العقول، ولتحقق أهدافها، طبعًا ليس لصالح الشعب السوري حسبما تدَّعيه الفبركة والهجمة الإرهابية الشرسة، وإنما لصالح أطراف أصيلة في المؤامرة في مقدمتها كيان الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة، بل حصرًا لصالحهما وما عداهما مجرد أدوات تنفيذية وخادمة للمؤامرة وللمشروع الصهو ـ أميركي.
إن ما تم في داريا من مصالحات وتسويات أدت إلى نقل المسلحين وعائلاتهم وفق رغباتهم، سواء إلى محافظة إدلب الخزان الإرهابي الذي يواصل إلحاق الآلام والكوارث والمآسي بالشعب السوري أو إلى منطقة حرجلة، يعطي صورتين واضحتين عن طبيعة الأحداث وحقيقتها، وتبدوان كافيتين للتدليل على أن ما حيك ويحاك ضد سوريا هو مؤامرة إرهابية ملفعة بالتشويه والتحريض والتدليس تتكفل به الماكينات الإعلامية التابعة لمعشر المتآمرين. الصورة الأولى أكدت النجاح المنقطع النظير للدولة السورية في إدارة الأزمة بما يحافظ على كيانها ووحدتها وشعبها وتماسكه رغم الهزات والمحاولات المستميتة لتقطيع أواصر النسيج الاجتماعي، وأثبتت سلامة الخيارات في التعامل مع تطورات أحداث الأزمة كافة، ومصداقيتها في تقريب صورة الأحداث للتمييز بين ما هو حق وباطل وصدق وكذب، وبين ما هو إرهاب و"ثورة"، وأثبتت كذلك مصداقية نهجها وتعهداتها ووعودها لجميع أبنائها وخاصة أولئك الذين حملوا السلاح وقاتلوا ضدها في صفوف الإرهابيين. فلم تكن سياسة العفو عبر المراسيم التي يصدرها تباعًا الرئيس السوري بشار الأسد، والجهود الحثيثة التي تقوم بها مؤسسات الدولة السورية والمشايخ والوعاظ ووجهاء العشائر من أجل المصالحات والتسويات وإقناع الشباب المغرر بهم، إلا أحد الجوانب المضيئة للدولة السورية، فرغم ما سامه هؤلاء المسلحون بحق أبناء الشعب السوري كان العفو والتسامح هو السمة الغالبة وليس حب الانتقام والبطش، كما دأبت الماكينات الإعلامية المعادية على تصويره. ولعل ما لقيه مسلحو داريا وأهاليهم الذين بقوا معهم، وهم بيئتهم الحاضنة وليسوا مدنيين أجبرتهم الحرب على البقاء، وهم أيضًا جميعًا ليسوا بالآلاف كما كانت الأبواق الناعقة تقول وإنما بضعة مئات، وعدم التعرض لهم أثناء عملية نقلهم رغم أن مئات العائلات السورية فقدت أبناءها وخيرة شبابها ومعيليها على أيدي أبناء هذه العائلات التي وُفِّرت لها كل مظاهر الحرية والأمن والاطمئنان لنقلها حيث أرادت ورغبت واطمأنت، كل ذلك كفيل بتأكيد هذه الصورة. أما الصورة الثانية فتتمثل في التباكي على ما جرى في داريا والاستماتة في تشويهه وتصويره على أنه خارج السياق الإنساني، ومحاولة التدخل خوفًا من أن يتمدد هذا النمط المسالم المتكئ على التسامح والعفو والمتسامي فوق الجراح والمآسي رغم ثقلها وعمقها، ما يؤكد أن معسكر الإرهاب لا يزال يواصل مقاومته قبل نزعه الأخير في المعضمية ودوما والغوطة وغيرها، أملًا في استعادة مكامن قوته لجولة إرهابية جديدة، وهو ما يضيف مصداقية على مصداقية النهج والتوجه والتعامل للدولة السورية، سواء في تعاملها مع التنظيمات الإرهابية أو مع أبنائها المغرر بهم، ويؤكد على ما ذهبت إليه منذ اليوم الأول بأن ما يحدث هو مؤامرة إرهابية وليس "ثورة". بدليل أن أولئك الإرهابيين المنقولين من داريا الذين أصروا على الالتحاق بنظرائهم في محافظة إدلب إنما هم جزء من الجسم الإرهابي الذي عمل أعداء سوريا وشعبها وجيشها على تربيته وتنميته وتضخيمه في سوريا؛ لكي يستمر في إلحاق الآلام والمآسي بالشعب السوري. ولعل ما أقدموا عليه من إحراق الوثائق والمستندات التي تثبت عمالتهم وخيانتهم وتبعيتهم لأعداء سوريا وشعبها، وتدمير ممتلكات المواطنين السوريين وإحراق البنايات هو أيضًا دليل إضافي على أنهم جزء من الجسم الإرهابي ومن المشروع التكفيري الظلامي في سوريا والمنطقة.
إن باغتسال داريا من رجس الإرهاب وتطهرها منه تنهي فصلًا من فصول الظلامية والتكفير والإرهاب، وهو دون شك له تأثيره الكبير على معنويات التنظيمات الإرهابية التكفيرية المنهارة أساسًا، وعلى من يدعمها ويغطي إرهابها ويروج له بأنه "ثورة"، ويؤذن باستعداد مناطق سورية للاغتسال والتطهر تلوثت برجس الإرهاب مثل المعضمية ودوما والغوطة وغيرها؛ أي أن داريا هي أول حبة تنفرط من العقد لتتلوها بقية الحبات. إنها ضربة معلم فضحت المتآمرين وأسست لمسار جديد يصب في خدمة سوريا وشعبها.