[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
مشهد داريا الحزين، كيفما نقلبه سوف يذكرنا بمدن اصابها وباء الإرهاب او خضعت لمعارك مصيرية ضد عدو ومحتل. لم يترك ارهابيو داريا ركنا في هذا الريف الا وصنعوا منه غابة مدمرة او متراسا او نفقا يأخذ إلى امكنة مشابهة. البيوت المدمرة من علامات اليد التي تمرست بالتدمير، والعقل الذي لا يريد ان يبني لاجيال تتهيأ لدور .. كان الله في عون اصحاب تلك البيوت، التي اطلت على الصورة فحملت الينا ما كان رأيناه من تواريخ مشابهة.
هناك في ستالينغراد ما يذكر بأن عدوا جاءها متربصا بحياتها الوديعة فحولها الى اكوام من الجثث فيما تلذذ بتحويل مبانيها الى خراب ليس له مثيل. ومثله مدن وارياف، ومثل هذا المثل ما قام عبر التاريخ ليحكي قصة تتكرر كل مرة ولا يفوتها ان تقدم الدليل على ان الارهاب والتوحش عمره من عمر الارض، ولن يكون جديدا مشهد داريا او غيرها من مشاهد الريف الدمشقي وغيره من الارياف والمدن السورية التي عبث بها الإرهاب، كما صنع مرات في اماكن متعددة على وجه الكرة الارضية.
البكاؤون الذين قرأنا لهم عما اصاب داريا، لم يرجعوا إلى ما خلف الصورة، إلى حقيقة اولئك الذين تم توظيفهم في كل امكنة حولوها إلى دمار من اجل غايات باتت معروفة. هؤلاء لم يروا من مشهد داريا سوى ما يريدون رؤيته، فجاءت مقالاتهم سموما مركبة. انه الحقد الدفين الذي لا يريد التعرف على الحقائق وان كان يعرفها .. انها المغالاة في معاداة سوريا قلبا وقالبا من اجل ارضاء ممول هم من اتباعه.
هؤلاء القتلة والمخربون الذين اخرجوا من داريا إلى محطات اخرى، وجلهم من ابناء المكان الذي ولدوا فيه وترعرعوا، كيف عليهم تدمير منجزات سنوات من البناء، والقضاء على مطارح الطفولة الندية، وتخريب جماليات المكان الذي كان بلا شك تحفة ساهم فيها الذوق والزمن فجعلا منها مطرحا مندى بكل اسباب الحياة الوديعة الهانئة .. ثم كيف يخرب شاب في مقتبل العمر، حتى منزله الذي كان يوما مسرح حياته وصورته التي تكبر. كم ساعدتهم الدولة على اقامة بيوت العمر، وكم منحتهم الامان الصحي في تأمين مصطلحاته عندهم وبين بيوتهم، وغيرها من المدارس المجانية والمستشفيات الراقية. سوريا التي تخرج منها عام 1948 اكثر من اربعة آلاف خريج بكافة الاختصاصات، بزت بريطانيا في العام ذاته والتي لم يصل عدد خريجيها إلى الف تقريبا.
تعرضت سوريا إلى هذا التخريب لأنها قررت ان تكون منسجمة مع مبادئها وقيمها وافكارها وآمال شعبها ومنطلقاتها الوطنية والقومية .. كان يمكن لها ان تشتري وتبيع مباديئها مثل غيرها، لكنها لم تفعل ولن تفعل، يكفيها شرف كل مواقفها التي عبرت عن التزامها بخط الوفاء لتلك الجملة الاثيرية من انها قلب العروبة النابض.
تذكرنا اذن مدنا دمرتها ايدي العابثين ونحن نرى داريا بآخر مشهد وصل الينا. لكننا نعرف، ان السوريين وهم البناة المعروفون سيعيدون المدينة الى ابهى صورة لها، وحتى كل مشهد في سوريا سطت عليه ايدي الارهاب.