[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
أكد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان على عدم سماح بلاده لأي «منظمة إرهابية» بالقيام بفعاليات داخل الحدود التركية أو بالقرب منها، وذلك في خطاب له في مدينة غازي عنتاب على الحدود مع سوريا هدد فيه بالقول «نحن موجودون في جرابلس السورية وبعشيقة العراقية، وإن استدعى الأمر فسنقوم بما يجب في باقي المناطق، إننا عازمون على دحر تنظيم «ب ي د» أيضًا، واقتلاع جذوره من سوريا». ويبدو أن هذا التأكيد يتخطى حدود الإعلان إلى ما هو أعمق وأكثر اتساعًا ليشمل الاقتراب من ملامسة الأحلام التي داعبت إردوغان منذ اليوم الأول على تفجير المؤامرة على سوريا وذلك بإقامة مناطق حظر طيران أو ما يسميها مناطق آمنة لتكون المنطلق الحقيقي نحو سلخ أراضي حلب والموصل في سوريا والعراق.
هذا التدخل التركي يتم تحت ذريعتين: الأولى محاربة تنظيم «داعش» الإرهابي، والثانية منع قيام إقليم كردي مستقل على تخوم تركيا وذلك بالقضاء على قوات حماية الشعب الكردي (ضم إليها لاحقًا ما يسمى «قوات سوريا الديمقراطية» أو بالأحرى «قوات سوريا الأميركية»)، إلا أن ما يروج إعلاميًّا هو أن هذا التدخل ما كان له أن يكون ويتمدد بهذا الشكل لولا الموافقة الضمنية الروسية ـ الإيرانية، بدليل صمت كل من موسكو وطهران على هذه الانتهاكات الخطيرة للسيادة السورية التي يقوم بها النظام التركي، لا سيما وأن التدخل جاء بُعيْدَ لقاءات تركية ـ روسية، وتركية ـ إيرانية.
ومع التوغل التركي الآخذ في التعمق في الأراضي السورية يصبح الصمت الروسي ـ الإيراني مثيرًا للانتباه وحمَّالَ أَوْجُهٍ؛ فهو إما أنه يعبِّر عن رغبة كل من موسكو وطهران في إبراز الوجه الحقيقي لواشنطن وفضح مواقفها تجاه الأكراد الذين خطفتهم من موسكو، وهي مواقف مهما حاول الأكراد التغطي بها فهم عراة، وأن بدون موسكو وطهران متعذر عليهم إقامة ما يحلمون به من إقليم مستقل، فضلًا عن أن حلم الانفصال أو الاستقلال غير وارد في النهج السياسي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، بل هو خط أحمر يهدد الأمن القومي الإيراني. وإما هو مقابل استدارة تركية لازمة لتسوية الأزمة. وإما أن هذا الصمت الروسي ـ الإيراني هو من الذكاء بمكان، فكان طُعمًا لاستدراج النظام التركي الجريح من الانقلاب الفاشل الذي تشير الأنباء المتداولة إعلاميًّا إلى أن الولايات المتحدة هي التي كانت تقف وراءه وهي التي خططت له، وبالتالي الدخول إلى الأراضي السورية بات أشبه بمستنقع إن لم يكن مستنقعًا حقيقيًّا لاستنزاف تركيا ولتشرب من الكأس ذاتها التي عملت على تجريعها لسوريا، لجهة أن الأكراد لن يستسلموا ولن يركعوا للجيش التركي وللتنظيمات الإرهابية التي أنتجتها المخابرات التركية وترعاها مثل: تنظيم نور الدين زنكي، وتنظيم السلطان مراد، وأحرار الشام، وفيلق الشام وغيرها، فضلًا عن تنظيم «داعش» الذي يتمتع بخصوصية العلاقة، كما بدا واضحًا في عملية التدخل العسكري في مدينة جرابلس التي جرت فيها عملية تسليم وتسلم بين «داعش» والتنظيمات الإرهابية الآنف ذكرها والتي يجري استخفاف العقول والضحك على الذقون بتسويقها على أنها «الجيش السوري الحر»، بدليل أن لا جندي تركيًّا قتل ولا دبابة ولا مدرعة تركية دمرت رغم ما قام به الرعاة من تسليح نوعي ومتطور لـ «داعش»، بل إن عناصر الجيش التركي بدباباته ومدرعاته ترتع وتروح وتجيء في الأراضي السورية دون أن يصيبها مكروه سوى هجوم واحد ناجح لقوات حماية الشعب الكردي بتدمير دبابتين وقنص جندي وإصابة ثلاثة آخرين، وبالتالي فإن المواجهة الحقيقية بين النظام التركي والأكراد الذين نجحوا في تجميع قواتهم وتنظيم صفوفهم وتوحيدها لم تبدأ بعد، فما يدور الآن ما هو إلا مجرد تسخين. فالمواجهة إن بدأت لن تقتصر على الأراضي السورية، وإنما ستكون شاملة في العمق التركي وفي العمق السوري .كما أنها لن تكون مواجهة قصيرة الأمد، بل ستطول، الأمر الذي يطرح أسئلة كثيرة ما إذا كان النظام التركي قادرًا على هذه المواجهة ـ طبعًا إن قدر لها وانطلقت ـ خاصة وأنه لم ينجز مخطط التطهير الذي يجريه في جميع المؤسسات وفي مقدمتها مؤسسات الجيش والأمن والشرطة وغيرها؟ وهل يملك الإمكانات المالية والاقتصادية لحرب طويلة في ظل معاناة الاقتصاد التركي التي أسهمت العقوبات الاقتصادية الروسية فيها بصورة كبيرة وذلك على خلفية إسقاط النظام التركي لطائرة «سو 24» الروسية داخل الأراضي السورية؟
على أن الولايات المتحدة هي الأخرى بدأت تستشعر الخطر حول ما كانت تراهن عليه من دور كبير للأكراد، سواء في تنفيذ ما أسماها جون كيري وزير الخارجية الأميركي بالخطة «ب» بتقسيم سوريا عبر ضرب نسيجها الاجتماعي بداية من المُكوِّن الكردي الذي انبطح أمام الإرادة الأميركية بالتمرد على الوطن السوري الأم، وبقبولهم تسخير دمائهم وقودًا إضافيًّا للحرب الإرهابية التي تقودها سيدتهم واشنطن لحرق سوريا وإبادة شعبها، ولمواجهة جيشها، ولتصنع منها انتصارات دعائية؛ ولذلك بدأت ترفع عقيرتها، معربة عن «قلقها الشديد» إزاء المعارك بين الجيش التركي والوحدات الكردية في شمال سوريا واعتبرتها «غير مقبولة»، وفق ما أعلنت وزارة الدفاع الأميركية. وقال المتحدث باسم الوزارة بيتر كوك في بيان: «واشنطن تتابع الأنباء عن اشتباكات جنوب جرابلس (شمال)، وحيث تنظيم «داعش» لم يعد موجودًا، بين القوات التركية وبعض الفصائل المعارضة من جهة ووحدات منضوية في قوات سوريا الديمقراطية»، مضيفًا:»نريد أن نوضح أننا نعتبر هذه الاشتباكات غير مقبولة وتشكل مصدر قلق شديد». مطالبًا بمحاربة «داعش» وتوحيد الجهود حيال ذلك. وهو ما قابلته أنقرة برد عنيف جاء على لسان عمر جليك، وزير شؤون الاتحاد الأوروبي التركي، الذي قال في مؤتمر صحفي عقد بأنقرة «لا يحق لأحد أن يقول لنا أي تنظيم إرهابي يمكننا قتاله وأي تنظيم نتجاهله». وبناءً على ذلك، هل ستتطور أيضًا الأحداث لتصل إلى حد السخونة بين أنقرة وواشنطن؟ الأيام القادمة كفيلة بالإجابة عن هذا السؤال وغيره وعن الصمت الروسي ـ الإيراني .. لننتظر.

[email protected]