على الرغم من فائض النفاق الدولي والغربي وبخاصة الأميركي، والتواطؤ الذي مارسته منظمة الأمم المتحدة في أكثر من محطة تاريخية ومفصل من مفاصل الصراع العربي ـ الإسرائيلي من أجل خدمة مشروع الاحتلال الإسرائيلي وإعطائه صفة «الكيان أو الدولة» رسميًّا، وتشريع احتلاله المخالف للشرعية الدولية وللقرارات ذات الصلة وللشرائع السماوية، فإن كيان الاحتلال الإسرائيلي لم يتورع يومًا عن توجيه الإهانات إلى الأمم المتحدة بالإضافة إلى وضع قراراتها تحت أقدامه، بل لم يتردد لحظة في ذلك لجهة تصعيد المواجهة معها حتى تلزم الصمت وتواصل النهج ذاته منذ العام 1948م وإلى الآن.
والهجوم العنيف المشبع بالإهانة الواضحة والذي شنه كيان الاحتلال الإسرائيلي على الأمم المتحدة إثر انتقاداتها للاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين، لا يؤكد فقط أن وتيرة الحقد والتدليس ترتفع كلما علت أصوات الانتقاد للممارسات غير الإنسانية لكيان الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته وجرائم حربه التي يرتكبها بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، وإنما مطلوب إسرائيليًّا وأميركيًّا وغربيًّا أن تستمر المنظمة الدولية في سياساتها الراهنة من الاحتلال الإسرائيلي وسياساته. فقد وصفت حكومة كيان الاحتلال الإسرائيلي بـ»السخافة» تأكيدات موفد الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف أن توسيع النشاط الاستيطاني تزايد خلال الشهرين اللذين أعقبا دعوة اللجنة الرباعية لوقف بناء المستوطنات اليهودية على الأراضي الفلسطينية. مضيفة أن «الادعاء بأن البناء اليهودي في القدس غير قانوني هو ادعاء سخيف مثل الادعاء بأن البناء الأميركي في واشنطن أو البناء الفرنسي في باريس هو غير قانوني».
إن هذه الإهانة ما كان لكيان محتل غاصب تدينه قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي أن يجرؤ على توجيهها لولا التصفيق الدائم للأمم المتحدة لكل انتهاك وجريمة حرب يقوم بها، واعتبار جرائم حربه «دفاعًا عن النفس»؛ فعشرات «الفيتو» التي استخدمت لحماية جرائم الحرب التي ارتكبها الكيان الإسرائيلي ولحماية احتلاله كفيلة بتبيان القاع الذي تغوص فيه الأمم المتحدة وخاطفوها الأميركيون والفرنسيون والبريطانيون، باعتبارهم ذوي الخبرة الواسعة في سلب مقدرات الشعوب وحقوقهم، وذوي الاستعمار حصرًا قديمه وجديده، ولكون كيان الاحتلال الإسرائيلي ثمرة استعمارهم، ما يتطلب منهم رعاية ما غرسوه. أولم تنتخب الجمعية العامة للأمم المتحدة، لأول مرة، كيان الاحتلال الإسرائيلي رئيسًا للجنة القانونية التي تعنى بنشاطات الأمم المتحدة المتعلقة بالقانون الدولي؟ فكيف يتأتى عقلًا ومنطقًا أن يتولى من يخرق القانون الدولي وينتهك القانون الإنساني صباح مساء مثل هذه اللجنة؟ أوليس قاع النفاق والتواطؤ أوصل إلى ذلك؟
قد يكون من قدر فلسطين أن تواجه أعتى حملات الاستهداف، وأن تكون في مواجهة مع أعداء غير مسبوقين، ومع أعداء يتكاثرون حسب الحاجة الإسرائيلية ـ الأميركية ـ الغربية سقطت أقنعتهم منذ أول مباشرة للوظيفة والدور، لكن مع ذلك مثلما سيكتب التاريخ عن تواطؤ الأمم المتحدة وتقاعسها عن نصرة القضايا العادلة لشعوب العالم وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، سيكتب شرف المواجهة مع أشرس احتلال عرفته البشرية والتاريخ الإنساني، ونيل وسام كشف الأعداء والنفاق وحجم المتاجرة بهذه القضية، حيث التقاطع مع الاحتلال الإسرائيلي وتمكينه في المنطقة باتا علامة فارقة ومنطلقًا نحو ليس تحقيق المصالح، وإنما إشباع الرغبات والنزوات الخبيثة والمريضة.