[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
بينما يقول موشي زيدنر مؤلف كتاب "القلق" إن القلق جزء طبيعي من الحياة وهو مألوف لنا جميعا" فإن سوفوقلس يرى "بالنسبة إلى الخائف، كل شيء يُصدر حفيفا "، وبدافع شخصي للإحاطة بما استطيع من معلومات عن هذا الكائن غير المرئي الذي يتجول في كل مكان ويفرض وجوده وكينونته على الغالبية العظمى من البشر إن لم يكن مستشريا فينا جميعا، فقد توقفت عند بعض الاراء التي تصدت للموضوع، ووجدت في كتاب "القلق" الصادر مؤخرا عن عالم المعرفة الكويتية، وهو كتاب ترجمه عن اللغة الإنجليزية كل من الدكتور معتز سيد عبدالله والدكتور الحسين محمد عبد المنعم، والكتاب من تأليف كل من: موشي زيدنر وجيرالد ماثيوس، ويتوصل المؤلفان إلى حقيقة تقول، على الرغم من التقدم الهائل الذي شهدته المعرفة الطبية فإن المجتمع العلمي ما زال عاجزا عن الوصول إلى فهم كامل لأسباب الاضطرابات العقلية التي يعانيها الإنسان، ورغم تصنيف الاضطرابات وفق قواعد معينة وحسب معطيات تذهب باتجاهات مختلفة، إلا أن القاسم المشترك بينها جميعا هو القلق. صحيح أن عنوانا ما قد يتقدم لوصف هذه الظاهرة أو تلك، لكن يبقى ضمن دائرة اللا استقرار، وأن خانة واحدة ستجمع كل العناوين في نهاية المطاف ضمن اناء واسع يسمى بـ "القلق".
هناك صعوبات في التوصل إلى نتائج علمية تؤكد من يبدأ أولا القلق أم الاكتئاب، وبينما تذهب دراسات إلى أن القلق في حال تحول إلى متلازمة فإن المرء يدخل صراعات مختلفة، قد يكبح فيها جماح القلق ويستعيد خسائره النفسية، وفي هذه الحالة يتراجع العدو الخفي لصالح استقراره النفسي، لكن قد ينشأ اكتئاب من نوع خاص، يتجاهله المرء أو يهمله، وفي جميع الاحوال قد يتصاعد هذا النوع من الاكتئاب ليخلق جوا داخليا جديدا، وهو احد انواع الاجواء السلبية التي تزداد قوتها بمرور الوقت وربما بتضخم العناصر المسببة لها، وفي حالات اخرى، قد يأخذ القلق انماطا غير مألوفة في حياة المرء، ليخلق سلبية ناشئة تسمى القلق الذي قد يزداد ويتسع ليصبح أحد الاخطار الحقيقية التي تهدد الإنسان في حياته اليومية وفي علاقاته الاجتماعية.
إن الخوض في مسألة القلق وما يتمخض عنه من حالات اكتئاب ليس بطرا أو مجرد رغبة في الخوض والبحث في ظاهرة حياتية لها امتداداتها وتشعباتها، بل إن الامر يتعدى ذلك إلى ما هو أهم وابعد، لأن القلق يؤثر سلبا على طاقة الإنسان ويشغله كثيرا ويستنزف الكثير من طاقاته، وهذا يعني أنه يستنزف المجتمع ويصل ذلك إلى البشرية بأسرها، إن القلق يتسبب بهدر الكثير من وقت الطلبة والعاملين في جميع التخصصات والمهن، ويقف حائلا امام الراغبين بتقديم منجزات علمية ومعرفية، وقد يجد البعض أن القلق لا يتسبب بكل ذلك، لكن علينا أن نعرف أن القلق على مستويات وأن جميع درجاته تؤثر سلبا في حياة الشخص وفي المجتمعات ايضا.