[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]
”الدخول العسكري التركي للأراضي السورية، سيزيد في تعقيدات الوضع السوري، حيث تحولت تركيا من جزء من الحل، إلى جزء من المشكلة! بل هي المشكلة بكاملها، إلى ان تسحب قواتها من سوريا والعراق معا، وتغلق حدودها بوجه الارهابيين، واغلاق معسكرات تدريبهم في اراصيها. الحرب في سوريا تخضع لحسابات المصالح!”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غريب أن يقف البعض العربي هذه المواقف من سوريا: زَعَل وغضب من اخلاء داريا من المسلحين الارهابيين, والتمني لو أنهم بقوا في المدينة, التصفيق لاجتياح القوات التركية الغازية شمال هذا البلد العربي! الكيل بمكيالين حول نفس الموقف (قتل المدنيين) قد سارعت الأجهزة الإعلامية,المؤيدة للمسلحين أو ما يسمى بالمعارضة السورية, والمصفقة للغزو التركي لأراضيها إلى التقليل من شأن سقوط ضحايا مدنيين جراء القصف التركي لقرى محيطة بمدينة جرابلس.
المرصد السوري لحقوق الإنسان قال في بيان له إن 35 مدنيا سوريًّا قتلوا في الغارات التركية. وسائل إعلام عربية حاولت تبرير سقوط هذا العدد من المدنيين، بالقول إن "قوات سوريا الديمقراطية", اتخذت من هؤلاء المدنيين دروعا بشرية لتفادي قصف الطائرات التركية. وسائل الإعلام ذاتها عادة ما لا تبحث عن مثل هذه المبررات لمقتل المدنيين عندما يتعلق الأمر بغارات المقاتلات الروسية أو السورية! أو حتى قوات التحالف الدولي, لا بل تحرص على التأكيد بأن كل من يقتل بتلك الغارات هم من المدنيين. جامعة الدول العربية غاضبة! لأن باعتقادها، أن جلاء المسلحين وعائلاتهم من داريا، يحدث خللا ديموغرافيا في سوريا! الامم المتحدة غاضبة بدورها ايضا، ومبعوثها يشعر بالاستياء، لأن الاتفاق بين الجيش السوري والتنظيمات المسلحة تم من وراء ظهره، والمصالحة جرت من دون إشرافه.
الغريب، أننا لم نسمع هذه الأصوات، تحتج على دخول القوات الاميركية والغربية إلى الاراضي السورية، لدعم ومساندة الاكراد، في سلخ مدن وقرى وارياف الشمال السوري عن الوطن الأم، بهدف تمكين الأكراد من اقامة الاقليم الكردي (كردستان سوريا) وفرض الفدرالية في هذا البلد العربي المجروح والنازف بسبب التدخل الخارجي المسلح. كذلك، لم نسمح هذه الاصوات، عندما اجتاحت الدبابات التركية، الحدود وتوغلت داخل الاراضي السورية، تحت عنوان المشاركة في محاربة داعش، في الوقت الذي كانت فيه تركيا تفتح حدودها أمام المسلحين الجهاديين القادمين من كل جهات الارض، وقدمت لهم، كل اشكال الدعم السياسي والعسكري والمالي، لخدمة اهدافها ومصالحها.
لم تدخل تركيا سوريا من أجل محاربة "داعش" ولم يقتل داعشي واحد! فعلت أنقرة ذلك من أجل منع الأكراد من إطباق سيطرتهم على الشمال السوري المحاذي لها. فـ"داعش" متمركز على الحدود التركية, ويتزود بالمقاتلين والسلاح والمال عبرها. سكتت تركيا على احتلال داعش لمناطق واسعة شمال سوريا. وفي تأكيدٍ على أن منع الأكراد تكريس نفوذهم، هو السبب الفعلي لتحرك أنقرة العسكري الأخير، أكد وزير الدفاع التركي أنّ لبلاده الحق في إرسال قواتها إلى سوريا، إذا لم ينسحب الأكراد إلى شرق الفرات، أي بعيداً عن الحدود التركية. كيف تفسر أنقرة هذا الحق قانونيا في ضوء أن الأكراد سوريون، ويتحركون في بلدهم؟ لقد وظفت تركيا تحالفاتها للحصول على المباركة والموافقة ونسج غطاء اقليمي يغطي عملياتها العسكرية، واقامة المنطقة العازلة على امتداد حدودها، وفي عمق الاراضي السورية، تحت شعار "محاربة الارهاب". الحقيقة ان هذا المشروع التوسعي يراود مخيلة اردوغان ويدغدع مشاعره وينعش احلامه. وربما يكون هذا المشروع القديم هو الدافع الرئيسي لاستدارة اردوغان السريعة، والسبب الحقيقي الكامن وراء التطبيع مع اسرائيل وروسيا وتخفيف التوتر مع ايران.
الدخول العسكري التركي للأراضي السورية، سيزيد في تعقيدات الوضع السوري، حيث تحولت تركيا من جزء من الحل، إلى جزء من المشكلة! بل هي المشكلة بكاملها، إلى ان تسحب قواتها من سوريا والعراق معا، وتغلق حدودها بوجه الارهابيين، واغلاق معسكرات تدريبهم في اراضيها. الحرب في سوريا تخضع لحسابات المصالح! ورغم انزعاجها (على أجهزة الإعلام فقط)، دعمت واشنطن االعملية التركية في جرابلس، رغم أنها شملت قصف الأكراد، حليفها الأكبر في الحرب ضد "داعش". هددت واشنطن النظام السوري حين تم قصف قوات الحماية الكردية في الحسكة، لكنها دعمت العملية التركية في سوريا، رغم أنها استهدفت حليفها الكردي. وطالبت واشنطن ما يسمى "قوات سوريا الديمقراطية" الانسحاب إلى شرق الفرات، امتثالاً لمطالب حليفها التركي. في النهاية نقول، ان حلم السلطان بإقامة الامبراطورية العثمانية، ما زال يراود مخيلة الرئيس التركي، لذلك اراد التمدد في الشمال العراقي والشمال السوري، إلى أن يأتي الوقت المناسب لإقامة امبراطوريته. الغريب، أن يتم اجتياز حدود سوريا، مثلما جرى للحدود العراقية قبلا، دون أن نسمع مواقف إدانة لهذا الغزو إلا من سوريا والعراق! حتى إن البعض العربي صفق لهذا الاعتداء السافر على أراضي سوريا العربية! أليس ذلك في منتهى الغرابة؟