[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/tarekashkar.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]طارق أشقر [/author]
بقيام ليبيا بشحن ما تبقى من مخزونها من الأسلحة الكيمائية إلى خارج أراضيها السبت الأخير من شهر اغسطس الماضي، تكون المنطقة العربية قد أراحت الغرب وقبلهم اسرائيل، بأنها لن تكون ذات شأن في مجال الأسلحة الكيمائية او النووية على الأقل في المنظور القريب من الوقت.
ورغم ان هذه العملية الليبية تعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح بالنظر إلى الراهن الأمني المعاش والمضطرب في ليبيا التي ما زالت تعاني تداعيات انهيار نظام القذافي صاحب فكرة السلاح الكيميائي الليبي المستند على استخدام غاز الخردل البدائي من الناحية التاريخية في مجال تصنيع السلاح الكيميائي، الا ان الخطوة نفسها لا تخرج من كونها تمثل شكلا آخر من أشكال اصدار شهادات الوفاة لأي مجهودات عربية اقليمية في الاتجاه نحو التمتع بحق امتلاك أي من الدول العربية لسلاح كيميائي او نووي في المنطقة.
وبينما يمكن ان يساعد شحن كامل المخزون المتبقي من عناصر بدايات تصنيع الأسلحة الكيميائية الليبية إلى خارجها في ضمان عدم حصول جماعات متطرفة كتنظيم داعش على هذه المواد، فهو أيضا عامل قد يساعد على تفرغ حكومة الوفاق الوطني لملفات أخرى تعتبر ذات أولوية قصوى للشعب الليبي الذي ما زال يعاني عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي منذ انفراط العقد الأمني بعد سقوط نظام القذافي.
ولكن بالخروج عن الدائرة الوطنية الضيقة المتعلقة بحصر الواقعة في الشأن الليبي فحسب وفي اطار ما يجب أن يكون بالنسبة للشعب الليبي، الا ان هذه العملية ذات البعد الأمني العميق بالنسبة للحكومة والشعب الليبي ولربما الدول المجاورة لليبيا ، تحمل في طياتها مضامين أخرى تشير إلى ان سيناريو حرمان المنطقة العربية من حق امتلاك التقنيات المتطورة في المجال الكيميائي او النووي هو سيناريو متواصل الحلقات وقد تحكمه عقلية مركزية واحدة تتدثر بعباءة المجتمع الدولي.
ويبدو تواصل حلقات السيناريو واضحاً، خصوصا عندما يتأكد للمراقبين بأن الشركة التي ستقوم بتدمير ما يقدر بخمسمائة طن من المواد الكيميائية الليبية في منطقة مونستر بألمانيا، هي نفس الشركة التي كانت مسؤولة عن عمليات اتلاف مخزونات الأسلحة الكيمائية السورية التي تم التخلص منها بغطاء أممي وذلك في خضم تفاقم الظروف الأمنية وعدم استقرارها في دمشق.
ليس هذا فحسب، بل إن الظروف الأمنية والسياسية التي عانت منها طرابلس ودمشق والتي تمت خلالها عمليات (التجريد) من فرصة التمكن من تصنيع اسلحة كيميائية، ربما تكون مشابهة لحالة الخنقة السياسية التي كانت تعانيها بغداد ابان فترة حكم صدام حسين، وذلك بغض النظر عن ما تكشف عن اسلحة بغداد الكيميائية بأنها كانت مجرد فرية وكذبة وادعاء نتج عنه في نهاية الأمر تدمير كامل للعراق الذي كان يمكنه ان يكون احد رواد التطور العلمي والاقتصادي بالمنطقة العربية. وعليه فإن هكذا تشابه قد يفتح الباب للكثير من الافتراضات بشأن احتمال وجود سيناريو موحد لتدمير قدرات الذهنية العربية في أن يكون لها شأن في مجال الردع العسكري على وجه التحديد.
وعليه يظل السؤال الملح هو: ماذا بعد الخلاص من المخزون الليبي الكيميائي؟ وهل سيمارس مجلس الأمن الدولي نفس الدور الحماسي الذي قام به باعتماده قراراً أمميا في يوليو الماضي يقضي بمساعدة حكومة الوفاق الوطني الليبية على التخلص من مواد الأسلحة الكيميائية، فهل سيمارس الدور نفسه او ما يشبهه قليلا في اتجاه تخليص المنطقة العربية من ما تملكه اسرائيل من اسلحة كيميائية ونووية ؟.
وكيفما كان القادم من أحداث ومحاولات كيميائية او نووية عربية ان كان ذلك ممكنا، فإن تتابع حلقات سيناريو تجريد المنطقة العربية من حق امتلاك الاسلحة النووية وبنهائيات متزامنة مع حالات انفراط عقد الأمن والاستقرار الذي تم اعتباره مسوقاً أقوى للتحجج به لتفكيك القدرات النووية، كفيل بأن يؤكد على أن المنطقة العربية لن يكون لأي من بلدانها حتى فرصة الدخول في مفاوضات كيميائية او نووية مع المجتمع الدولي في المستقبل كالمفاوضات الايرانية التي كشفت عن صبر وصلابة المفاوض الايراني وقدرته على ابراز أهمية مصالحه مع الممكن من التنازلات.

أسرة تحرير الوطن
[email protected]