على خطى منطقة داريا تتجه أحياء سورية أخرى نحو الاغتسال والتطهر من رجس الإرهاب، وتخلع عنها هذه الوصمة لتتصالح أولًا مع ذاتها وثانيًا مع وطنها السوري الذي عملت التنظيمات الارهابية على تلطيخه، وتلطيخ سمعة الشعب السوري الذي أثبتت أحداث المؤامرة أنهما معًا (الوطن والشعب) مستهدفان بـ"حريق الإرهاب العربي" لمواقفهما المشرفة من القضايا القومية العربية، ومن قضية فلسطين تحديدًا والدعم غير المحدود للشعب الفلسطيني ومقاومته، وموقفهما الرافض لسياسة الاحتلال الإسرائيلي بحق الأرض الفلسطينية والعربية، والمقاوم لجرائم حربه بحق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية.
والأنباء التي تفيد بأن حي الوعر في مدينة حمص ومعضمية الشام في الريف الدمشقي تتجهان إلى مصالحة مع الجيش العربي السوري على غرار ما حدث في داريا، وذلك بخروج الذين اختاروا الإرهاب نهجًا وسلوكًا وتمردًا ضد وطنهم مع عائلاتهم من هذه الأحياء، يمكن أن يبنى عليها الكثير من الحقائق والأدلة، ذلك أن إرادة هذه الأحياء التخلص من ربقة الإرهاب تؤكد أن حالة الوعي لدى المواطنين السوريين بدأت تتسع دائرتها، وأن كل ما حاكته أيادي الغدر والعدوان ونسجته من أساطير الكذب والدجل والتدليس ضد الدولة السورية تحريضًا وتشويهًا يستهدف سوريا تدميرًا وتفتيتًا، وشعبها تمزيقًا بضرب نسيجه الاجتماعي وتقسيمه إلى طوائف ومذاهب حتى تتمكن يد الغدر والعدوان والإرهاب من النيل منه، وتنجح بالتالي في التفتيت والتمزيق؛ كل ذلك لا يمت بصلة للواقع المؤلم الذي غدت عليه سوريا، والحال الكارثية التي حلت بالشعب السوري.
ما من شك أن المواطن السوري أيًّا كان موقعه ومستواه العلمي والثقافي بات يدرك أسباب التباكي للقوى المنتجة للتنظيمات الإرهابية والداعمة والراعية والمشغِّلة لها على ما يجري من مصالحات سورية ـ سورية، ومحاولة تدخلها لتعطيل هذه المصالحات ـ عن طريق ترويج مقولات من نوع هذا تطهير عرقي وتغيير ديمغرافي وغيرها من التلفيقات ـ بل غَدَا لزامًا على كل مواطن سوري أن يوقن تمامًا بأن هذا التباكي لا يعني إلا إصرار القوى المتآمرة على سوريا وشعبها وجيشها على نهجها المعادي المتآمر، ومواصلة كي شعبها بما سعرته من نيران الإرهاب تحت شعارات كاذبة من قبيل "ثورة" و"حقوق إنسان وحريات وديمقراطية"، أثبتت الحال المزرية والكارثية أن هذه الشعارات كانت ضرورية من ضرورات التمويه والتغطية على المؤامرة الإرهابية، ذلك أنها لو كانت صادقة في التوجه والفعل لما قامت هذه الشعارات على الإرهاب وجلب التكفيريين والظلاميين والإرهابيين والمرتزقة من أصقاع العالم، والإفراج عن المجرمين أصحاب السوابق في جرائم القتل والمخدرات والنهب والسرقات وغيرها وتدريبهم على المزيد من أساليب القتل والتدمير والعنف وإمدادهم بالأسلحة النوعية والمتطورة، وتخصيص موازنات مالية لهم، في حين أن المنطق والعقل يقولان إن تحقيق تلك الشعارات المرفوعة عبر طاولات الحوار الوطني، وبناء الثقة المتبادلة وليس بزعزعتها، وليس بالتشويه والتحريض والتدليس والفبركة، وليس بأساليب الخداع والمراوغة. فهناك طرق سلمية وسليمة وصحيحة تتحقق عبرها الحريات والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وليس عبر النحو الكارثي والمأساوي الراهن.
ولعل المرجعية التي تحتكم إليها التنظيمات الإرهابية في سوريا والخيوط الرابطة والجامعة التي تنتهي عندها وتسلم قرارها لها على النحو الذي تفعله الولايات المتحدة ومن معها في معسكر التآمر والعدوان، كفيلة بكشف المزيد من الحقائق أمام الشعب السوري واقتناعه بأن درب المصالحات الوطنية التي يعمل عليها الجيش العربي السوري والحكومة السورية وحلفاء سوريا هي المفتاح الحقيقي لسلامة سوريا وأمنها واستقرارها ووحدتها، وأمن شعبها وطمأنينته واستقراره، وهي الوسيلة التي تجنبه ويلات الإرهاب والتشرد ومواجهة قسوة الملاجئ والأمواج المتلاطمة، وتحفظ كرامته من الابتذال والإهانة. كما تبيض صفحة الجيش العربي السوري وعقيدته، وأنه جيش حريص على حقن الدم السوري وحماية سوريا من التفتت.