[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/alibadwan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي بدوان[/author]
”لقد جرت المفاوضات مؤخرًا حول حجم المساعدات الأمنية الأميركية لـ"إسرائيل" للسنوات العشر ما بين (2019 – 2028) إذ بلغ حجم هذه المساعدات في الاتفاق الذي شارف على الانتهاء ثلاثين مليار ولار، وتقترح الولايات المتحدة مساعدات للفترة المقبلة بحجم (34 مليار دولار إلى 37 مليار دولار) بينما تطالب "إسرائيل" بأن يصل حجمها إلى (40 مليار دولار إلى50 مليار دولار).”
أقرّت الحكومة "الإسرائيلية" قبل عدة أيام، الميزانية العامة للعامين المقبلين للكيان الإسرئيلي. وبحسب ما نُشر، فإن ميزانية العام 2017 تبلغ حوالي 115 مليار دولار، وميزانية العام 2018 تبلغ حوالي 117 مليار دولار. وتميّزت الميزانية الجديدة بتخصيص حصة جيدة منها للتعليم والرفاه الاجتماعي والثقافة خلافًا للأعوام السابقة، وفي الوقت نفسه لم يتم الإعلان رسميًّا عن حصّة وزارة الأمن والجيش من كعكة الميزانية العامة، إلا أنها فعليًّا زادت عن السنوات الماضية بنحو 15% كما تُشير مُختلف المصادر "الإسرائيلية" التي قامت بتسريب بعض المعلومات المُتعلقة بميزانية الأمن والجيش من حصتها من الميزانية العامة.
وفي هذا الشأن، قال وزير المالية "الإسرائيلي" موشي كحلون إنه "فخور بأن السجال الحاد مع مؤسسة الجيش والأمن توقف"، مُضيفًا قوله "عندما يقول رئيس الأركان إن الميزانية تساعده في أداء دوره بأفضل شكل، فإن هذا خير لنا"، وهو ما يؤكد أن الميزانية العسكرية "الإسرائيلية" نالت حظها الوافر من الميزانية العامة كما جرت العادة تاريخيًّا منذ قيام دولة الاحتلال الصهيوني على أرض فلسطين العربية.
ونُشير هنا إلى أن فلسفة ميزانية العامين المُقبلين في "إسرائيل"، وعلى ضوء الركود الاقتصادي، تميّزت بمواصلة تقليص وحسم 2% من ميزانية معظم الوزارات بشكلٍ عام، وزيادة ميزانية كل من وزارات الصحة والتعليم والمساواة الاجتماعي والثقافة والعلوم والطاقة، دون المساس بميزانية الجيش والأمن، بل زيادة ميزانية الجيش والأمن دون إعلان.
في هذا السياق، لا بد من القول بأن المساعدات العسكرية والأمنية الأميركية، كانت وما زالت رافد أساسي وإضافي للميزانية العسكرية والمنية "الإسرائيلية" المُخصصة للأمن والجيش، والتي لولاها لتعرضت الميزانية العامة "الإسرائيلية" لانتكاسات كبرى، جعلت منها عاجزة عن تأمين مصادر مالية إضافية لسد الثغرات التي تقع دومًا في الميزانية السنوية "الإسرائيلية".
لقد كانت وما زالت المساعدات العسكرية والأمنية الأميركية لـ"إسرائيل" العنوان الأبرز في مسار العلاقات بين الطرفين منذ العام 1966 وحتى الآن. حين انتقلت الدولة "الإسرائيلية" للاعتماد على العتاد العسكري الأميركي في بناء ترسانتها المقاتلة وكذلك الدعم الأمني والمالي بشكلٍ عام، وكف يد الاعتماد العسكري على بريطانيا وفرنسا، خاصة في مجال سلاح الجو الذي شَهِدَ إعادة بناء وتحديث كاملة بعد العام 1966 من خلال الاستبدال التدريجي للطائرات الحربية "الإسرائيلية" الفرنسية الصنع (الميراج) بالطائرات الأميركية الصنع.
كان حجم الدعم الأميركي بعد حرب تشرين أول/ أكتوبر 1973 لــ"إسرائيل" يبلغ نحو ٢٠٪ من مجمل الناتج المحلّي "الإسرائيلي"، وكان ذلك يشكّل نصف الميزانيّة الحربية والأمنية "الإسرائيليّة". ولا تزال "إسرائيل" هي المحظيّة الأولى في رصد أموال المساعدات الخارجية من قبل الكونجرس الأميركي، ولا تزال ميزانية الدعم الأميركية تسمح لـ"إسرائيل" بالإنفاق على صناعة التسليح.
وقبل أيامٍ خلت، انتهت في واشنطن مفاوضات المساعدات العسكرية والأمنية الأميركية التي يجري تقديمها لـ"إسرائيل" سنويًّا. وذلك بعد جولات ماراثونية بعيدة عن الأضواء، وعن عيون وأقلام الصحافة العربية والأجنبية، بما في ذلك الصحف "الإسرائيلية" التي نشرت بعض الأخبار والمعلومات عن تلك الاجتماعات واللقاءات.
ووفقًا لتسريبات مُحدودة، تم الإفصاح عنها عبر تقرير هام تم تسريب مقاطع منه لبعض الصحف الاسرائيلية الصادرة في تل أبيب، فإن مسؤولًا عسكريًّا "إسرائيليًّا" رفيعَ المستوى أفصح بأن الدعم العسكري الأميركي للجيش "الإسرائيلي"، سيزداد تباعًا كل عام، حتى يصل إلى نحو ثلاثة مليارات دولار في آخر أعوام الاتفاقية الجديدة والموعودة، التي من المتوقع أن تستمر عقدًا كاملًا.
ووفقًا للمصادر ذاتها، فإن رئيس "الحكومة الإسرائيليّة"، بنيامين نتنياهو، طلب من مفاوضيه، خلال الأشهر الأخيرة، التروي في إبرام أية اتفاقية، ريثما تتبدّل الإدارة الأميركية الحالية، ما أضاف توترًا جديدًا إلى التوتر القائم بين نتنياهو والرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي عارض المطالب المتكررة بزيادة الدعم العسكري لـ"إسرائيل" وفقًا للأرقام التي تطالب بها تل أبيب.
لقد جرت المفاوضات مؤخرًا حول حجم المساعدات الأمنية الأميركية لـ"إسرائيل" للسنوات العشر ما بين (2019 – 2028) إذ بلغ حجم هذه المساعدات في الاتفاق الذي شارف على الانتهاء ثلاثين مليار دولار، وتقترح الولايات المتحدة مساعدات للفترة المقبلة بحجم (34 مليار دولار إلى 37 مليار دولار) بينما تطالب "إسرائيل" بأن يصل حجمها إلى (40 مليار دولار إلى50 مليار دولار). وعليه، إن ميزانية الجيش والأمن في "إسرائيل"، والزيادة السنوية في منسوبها، مسألة مستمرة في "إسرائيل"، ويتم رفدها بالمساعدات الأميركية في المال والعتاد، ومن المُساعدات الغربية المُقدمة من قبل بعض دول الغرب من دول الاتحاد الأوروبي. حيث يُعْتَبَرُ الكيان الصّهيوني أكبر مُسْتَفِيد على الإطلاق من وجود الاتحاد الأوروبي، فهو يتمتع بكل المزايا دون تحمُّل السلبيات، بفضل الدعم المُطلق الذي يتلقاه الاحتلال تقليديًّا من ألمانيا وفرنسا وهولندا وبريطانيا، إضافة إلى بلدان أوروبا الوسطى والشرقية المُلْتَحِقَة حديثا بالاتحاد الأوروبي (بولندا والتشيك وبلغاريا...)، وتستخدم العديد من مؤسسات الاتحاد الأوروبي (المفوضية الأوروبية بالأخص) ضرائب المواطنين (الذين فُرِضَ عليهم التقشف) لتنمية قدرات دولة الاحتلال "الإسرائيلي".
من جانب آخر، وعلى أهمية كبيرة، إن المساعدات العسكرية والأمنية الأميركية المحوّلة إلى "إسرائيل" تُسهم في تنمية اقتصاد "إسرائيل"، حيث تقوم "إسرائيل" بدورها بتطوير صناعاتها العسكرية والأمنية بناء على توافر سيولة الدعم الأميركي المالي والتكنولوجي، حيث تُعتبر الصادرات العسكرية والأمنية "الإسرائيلية" للعشرات من دول العالم، مدخلا أساسيا من مداخيل الموازنة والاقتصاد في "إسرائيل".
ولما كان من المعقول أن نفترض أن المساعدات العسكرية والأمنية الأميركية لـ"إسرائيل" ستستمر في المستقبل المنظور، فإن على الصناعات العسكرية والأمنية "الإسرائيلية" أن تستمر في تطوير نظم التصدير والتسويق لدول العلم الثالث وحتى بعض الدول الكبرى في العالم التي تستورد التقنيات العسكرية من "إسرائيل"، ومنها بعض دول الغرب، وأن تستمر في سياسة التعاون والشركات العسكرية والأمنية في الولايات المتحدة وفي أوروبا الغربية.
ومحصلة القول، إن المساعدات العسكرية والأمنية الأميركية والغربية عمومًا، تُعتبر ركنًا أساسيًّا من أركان استقرار وثبات الكيان "الإسرائيلي". كما تعتبر ركنًا أساسيًّا من أركان تنمية الصناعات العسكرية والأمنية في "إسرائيل" وصناعات (الهاي تك) والطائرات دون طيار وغيرها، والتي يجري تصديرها لعشرات دول العالم، وبالتالي في تشغيل ماكينة الاقتصاد والاستثمار في "إسرائيل".