يـقـول الله تعالى:{ومـن آياته الليـل والنهار والشمس والقـمـر لا تسجـدوا للشمس ولا للـقـمـر واسـجـدوا لله الـذي خـلقهـن إن كـنـتم إياه تعـبـدون} (فـصلت ـ 37)، والإنـسان مأمـور أن يتـفـكـر في تلك الآيات البيـنات ، الـدالات عـلى قــدرة الله وعـلى أن نتـفـكـر فـيها فهي تـرشـدنا إلى أن نـذكـر الله تعالى في كل وقـت وحـين ، ولـكـن هـذا لا يمنـع العـلماء مـن أن يأخـذوا منها الإشـارة إلى أوقـات الصـلـوات، ونحـن لا نـقـول : إن المـراد منها هـو بـيان أوقات الصـلـوات فـقـط.
فـمثـلا قـوله تعالى:{ وعـشيا وحـين تظهـرون } سـورة الروم 17/18 ، قال العـلماء : إن في هـذه الآيـة إشارة إلى صـلاة الفـجـر وصلاة الظهـر وصلاة العـصر، وقـوله تعالى في سـورة (ق): {وسـبح بحمـد ربـك قـبـل طـلـوع الشمس } إشـارة إلى صـلاة الفجـر ، وقـوله: { وقـبـل غـروبها } إشـارة إلى صـلاتي الظهـر والعـصر، وقـوله : { ومـن الليـل فـسبحه } إشـارة إلى صـلاة الليـل ، وهـما المغـرب والعـشاء ، وقـوله : { وإدبار السجـود } أي بـعـد فـراغـك مـن أداء هـذه الصـلـوات الخـمـس التي فـرضها الله عـليـك في الـيـوم والليلة ، فاعـمـد إلى تسـبيح حـمـد ربـك بعــد كل صـلاة.
كأن الله تعالى يـقـول : إن في هـذا التسبيح شـكـرا لله تعالى ، الـذي وفـقـك فـأديت شـكـره ، أولـيس الله تعالى يستحـق الحمـد عـلى أن وفـقـك لأن تـقـول شـكـرا لك يا رب أن وفـقـتني فأديت فـرضي الــذي أوجـبته عـلى ، لـقـد أعـطيتني قـوة فـتـوضـأت ، ووقـفـت بـين يـديـك فـصلـيـت، وهـا قـد انتهـيـت ، فـسبحان الله إنه وقـت يستحـق الله تعالى فـيه الحـمـد والتسـبيح فـعـلا، ولعـل مـن أوكـد الأوقـات التي يتعـين عـلى العـبـد فـيها الحـمـد لله تعالى ما بـعـد الانتهـاء مـن أداء العـبادات ، ومنها الصـلـوات وأداء مناسـك الحـج ، وصـوم شـهـر رمضان وإخـراج الـزكاة، بعـد أن كان في صـراع مـع شـياطـين الإنس والجـن ومـع نفـسه الأمارة بالسـوء، ولما غـلبهـم وأدى فـرضه بـرئت ذمـته ، ولم يـعـد مـدينا بصـلاة ولا بصـيام ولا بـزكاة ولا بحـج ، وإذن : عـلى الإنسان أن يحـمـد الله تعالى دبـر كل فـرض وعـبادة يـقـوم بها.
وقال الله تعالى : { أقـم الصـلاة طـرفي النهار وزلـفا مـن اللـيـل إن الحسنات يـذهـبن السـيئات ذلك ذكـرى للـذاكـرين } سـورة هـود 114 ، وقـوله تعالى : { طـرفي النهار } أي أوله وآخـره ، الفـجـر في أوله والظهـر والعـصر في آخـره، وقـوله : { زلـفا مـن اللـيـل } التعـبير ب { زلـفا } إشـارة إلى الـقـرب ، لأن المغـرب والعـشـاء في أول اللـيـل ، فالمغـرب مـن غـروب الشمس إلى غـروب الشـفـق الأحـمـر، وعـنـدئـذ يـبـدأ وقـت العـشـاء ، ووقـته متسع إلى طـلـوع الفـجـر ، وقـيـل إلى منتـصف اللـيـل ، ولا يحـكـم عـلى أحـد بالكـفـر لـتركه صـلاة العـشـاء إلا إذا لـم يبـق مـن الـوقــت ما يكـفـيه لصلاة العـشاء قـبـل بـزوغ الفجـر، الصـلـوات التي تـكـون في آخـر النهار تكـفـر للإنسان ما عـساه قـد صـدر منه في النهار، والصـلـوات التي تكـون في أول النهار تكـفـر له ما عـساه قـد صـدر منه في اللـيـل ، مـع النية الصادقة للتـوبـة.
قال بعـض العـلماء: إن في قـوله تعالى:{قـبـل طـلـوع الشمس وقـبـل الغـروب } إشـارة إلى سـنـة ركـعـتي الفـجـر، وفي قـوله : { ومـن اللـيـل فـسبحه وإدبار السـجـود } إشـارة إلى سـنة ركـعـتي المغـرب ، حـقا إن مـن أوكـد السنن المـروية عـن النبي (صلى الله عـليه وسـلم) ركـعـتي المغـرب، يـقـرأ فـيها بسـورة : { قـل يا أيها الـكـافـرون }، و{ قـل هـو الله أحـد } ، عـن ابن عـمـر رضي الله عنهـما قال : رمـقـت النبي (صـلى الله عـليه وسـلم) شـهـرا ، فـكان يـقـرأ في الـركـعـتين قـبـل الـفـجـر: ب { قـل يا أيها الكـافـرون } و { وقـل هـو الله أحـد } أخـرجـه التـرمـذي في السنن كتاب الصلاة باب ما جـاء في تخـفـيف ركـعـتي الفـجـر وما كان النبي صلى الله عـليه وسـلم يـقـرأ فـيهـما حـديث رقـم (417 جـ2 ص 276)، فـسنة الفـجـر سنة مـؤكـدة وكـذلك سـنة المغـرب.
إننا نقـول : إنه لا مانـع مـن أن يستنـبط العـلماء مـن هـذه الآيات أوقات الصـلاة ، ولـكـن المعـتمـد الأصـلي في بـيان أوقات الصلاة هـو بـيان النبي صلى الله عـليه وسـلم لها لما فـرضـت الصلاة ، وقـد اجـمعـت الأمـة عـلى ذلك ، حـتى كانت مما يعـلم من الـدين بالضـرورة ولا منـكـر لها مـطـلـقا.
قال الله تعالى : { واستمـع يـوم يـنـادي المنـادي مـن مـكان قـريب } ( ق ـ 41)، يعـود الله تعالى مـرة أخـرى إلى مسألة البعـث، لأنها المـوضـوع الأساسي للسورة، والمراد الأوكـد منها هـو تـقـريـر هـذه الحـقـيقـة في النفـوس ، لما يـقـوله تعالى في آخـر السـورة في قـوله تعالى : { فـذكـر بالـقـرآن مـن يخـاف وعـيـد } الآية 45، لأن مـن انتــزع مـن قـلـبه الخـوف مـن الآخـرة فـلا مـطـمع له في السـعـادة مـطـلـقا ، ولا رجـاء له في خـير أبـدا.
تـدل كـلمة { استمـع } عـلى أن سـيكـون مـن الله تبارك وتعالى نـداء عـلى لسان مـن يـريـد مـن خـلقه، وهـذا النـداء هـو النفـخ في الصـور كما عـبر عـنه في آية ، وبالصيحة في آية أخـرى، وكأن الله تعالى يـقـول لنـبيه (صلى الله عـليه وسـلم) : استعـد لتسمع فـهـو أمـر محـقـق مقـطـوع به ، وهـو آت لا ريب فـيه ولا بـد، فـيا تـرى مـن هـو المـنادي؟، الله أعـلم ، ولـكـن يـبـدو أنه إسـرافـيـل، وهـذا ما ذهـب إليه كـثـير مـن المـفـسرين، وقال آخـرون : النافــــخ هـو إسـرافـيـل والمنادي جـبريـل بالصيحـة يـنادي الأبـدان الفانيـة، وغـير ذلك مـن العـبارات المخـتـلـفة التي وردت ، ومـن العـبارات الـواردة : أيتها العـظام النخـرة ، والأوصـال المفـرقـة، واللحـوم المتمـزقـة، قـومي إلى ربـك للحساب والجـزاء، فـيسـمـعـون صـوت الـداعي فـيتـبعـونه ( تفـسير القـرطبي جـ15 ص 42) 0
المـراد بالقـرب أن هـذا النـداء قـريب بحـيث يسمـعه، كل مخـلـوق أينما كان في جـوف الأرض، أو قـعـر البحـر أوفي أي مـكان آخـر.
وقال الله تعالى : { يـوم يسمـعـون الصيحـة بالحـق ذلك يـوم الخـروج } (ق ـ 42)، كـرر الله تعالى التعـبير بالحـق مـرات ومـرات ، لأنه هـو الأمـر الثابت المقـطـوع به ، فالشيء الـذي كانـوا يكـذبـون به قـد صار حـقا يـوم يسمـعـون الصيحـة.
وقال الله تعالى: { ذلك يـوم الخـروج }، هـذا يـوم تخـرجـون مـن أماكـنـكـم، ولا أحـد يـبقى ولا يخـرج، لأن الصيحـة تـبـلغ كـل مخـلـوق أراد الله تعالى بعـثه للحساب.
وقال تعالى: { إنا نحـن نحـيي ونـميت }، { إنـا } هـكـذا بالتـوكـيـد وبنـون العـظـمة ، ومـن أعـظـم مـن الله ؟، ومـن أحـق بالتعـظـيم مـن الله تعالى؟ إنه عـزيـز الشأن قـوي السـلطان ، وهـو القاهـر فـوق عـباده وهـو الحـكـيـم الخـبـير، فـهـو يـقـول : إن الحـياة والمـوت بأيـديـنا لا بأيـدي غـيرنا، ونحـن الـقـادرون عـلى الإعـادة كـما قـدرنا عـلى البـدء أول مـرة ، قال الله تعالى : { كـما بـدأنا أول خـلـق نـعـيـده وعـدا عـلينا إنا كـنا فـاعـلـين } (الأنبياء ـ 104) ،وقال تعالى: { وإلـينا المصير }، إلـينا لا إلى غـيرنا المصير، لم يـقـل : المصير إلينا، وإنما قال : { وإلـينا المصير } ليـفـيـد الحـصر ، وهـل هـناك ذهاب إلى غـير الله ؟، كل الناس يـذهـبـون إلى الله تعالى ، إلى الله مـرجـعـكـم جـميـعـا وإلـيه المصير تأتـون إلـينا لا إلى مـلك مقـرب، ولا إلى نبي مـرسـل، كما قال الله:{ واتـقـوا يـومـٍا تـرجـعـون فـيه إلى الله ثـم تـوفـى كل نفـس ما كسـبت وهـم لا يظـلـمـون } (البقـرة ـ 281)0
قال الله تعـالى : { يـوم تشـقـق الأرض عـنـهـم سـراعا ذلك حـشـر عـلينا يـسير} (ق ـ 44)، هـكـذا يـضـيف الله تعـالى وصـفـا آخـر مـؤثـرا ، فـيعـبر بقـوله : { تـشـقـق الأرض } بالتـشـديـد ، يعـني تـتـشـقـق الأرض عـن كل مـن وبما فـيها ، فـأينما كانـت ذرات الجـسـم إلا وتجـتمـع ليـعـود الجـسـم كما كان، وعـبر بقـوله : { سـراعا }، بغـير تـواني وقـد تقــدم الـكلام عـن السـرعة في قـوله : { ثـم نفـخ فـيه أخـرى فإذا هـم قـيام ينـظـرون } (الـزمـر ـ 68)، فـما هـو إلا أن يـصـدر النـداء ، فإذا الأرض كلها تشـقـق بسـرعـة لا يـقــدر قــدرها إلا الله ، وجـاء التعـبير بحسب ما نفهـمه ونـدركه، فـنحـن نـدفـن المـوتى في الأرض ونهـيـل عـليهـم الـتراب ، ونضـع فـوقهـم حجـارة ، كما قال تعالى : { مـنها خـلـقـناكـم وفـيها نعـيـدكـم ومنها نخـرجـكم تـارة أخـرى } (طـه ـ 55) ، حـتى الـذين أكلتهـم السباع والـوحـوش تأكلهـم الأرض ، كـذا مـن غـرق في البحـر ، فإن البحـر جـزء مـن الأرض، لهـذا جـاء هــذا التعـبـير : { يـوم تـشـقـق الأرض عـنـهـم سـراعا ذلك حـشـر عـلينا يسـير}.
.. وللحـديث بقـية إن شـاء الله في حـلقة قـادمة.

ناصر بن محمد الزيدي