[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
لم تبرز الأوضاع المأساوية للمرأة العربية، كما لم تتعرض للمزيد منها وأقساها، إلا بعد تفجير ما سمي كذبًا وزورًا "الربيع العربي"، حيث لا تزال المرأة سببًا، بل تم توظيفها واحدًا من بين المغريات من قبل معشر المتآمرين على الأمة في إنتاج التنظيمات الإرهابية، ومن المؤسف أن شاركهم في هذه الكارثة في إحداث هذه الثلمة في ثوابت الدين والقيم والمبادئ والأخلاق مفتو الفضائيات الذين نصبوا أنفسهم نوابًا عن الله، فأخذوا يبرمون الصكوك في صورة فتاوى لتحويل الحرائر من الفتيات والنساء إلى سبايا وملك يمين ورقيق، ما أدى إلى رواج سوق النخاسة والدعارة، والمؤسف والمبكي في الوقت ذاته أن هؤلاء المفتين والمعممين لا يزالون يوالون تزيين هذه الموبقات التي حرمها الإسلام وجرمها جملةً وتفصيلًا وتوعد من يأتيها بالعقاب الشديد، حيث عملوا على إغواء الشباب، سواء كانوا من أصحاب السوابق في الإجرام والإرهاب والسرقة والانحلال الأخلاقي أو كانوا من غير ذلك، وخداعهم بأن ما يرتكبونه من جرائم قتل وتدمير جزاؤه الحسنيان وليس حسنى واحدة وهما: الأولى في الدنيا بالظفر بالفتيات الجميلات والزواج بهن، أو اعتبارهن ملك يمين وسبايا يحق له أن يبيعهن ويتكسب من ورائهن. والثانية بنيل الشهادة لأنه في "جهاد" في سبيل الله الذي يعد سنام الإسلام، واستشهاده لا جزاء له سوى الفوز بالجنة والظفر بالحور العين الأبكار فيها، ويمر عليه الولدان المخلدون بالأكواب والأباريق؛ أي نعيم مقيم، وبالتالي لينال هاتين الحسنيين ما عليه إلا أن يقتل أكبر قدر من أبناء الطوائف المسلمين وغير المسلمين، ويدمر بأقصى ما يستطيع تدميره؛ لأنه في "جهاد" يحتاج الإخلاص فيه.
جامعة الدول العربية وعلى لسان أمينها العام أحمد أبو الغيط أكدت أن المرأة العربية أصبحت لاجئة وأرملة وأُمًّا ثكلى، مع تعرض النساء والفتيات لكافة أشكال العنف في إطار هذه النزاعات، سواءً النفسي أو الجسدي، كسلاح من أسلحة الحرب ينشر الرعب؛ ويزعزع المجتمع؛ ويكسر مقاومته، وذلك في افتتاح المؤتمر الوزاري الأول رفيع المستوى حول "المرأة وتحقيق الأمن والسلم في المنطقة العربية" أمس بالقاهرة، حيث أشار أبوالغيط إلى استمرار معاناة المرأة الفلسطينية في مواجهة المحتل التي تتعرض لأوضاع ضاغطة وظالمة بما يؤثر على كافة جوانب حياتها وحقوقها الأساسية، كما تواجه المرأة العربية في الكثير من المواقع، سواء في سوريا أو ليبيا أو اليمن أو العراق، أخطارًا وتحديات جسيمة نتيجة الانتهاكات التي ترتكبها الجماعات الإرهابية المتطرفة والتي تتخذ من الدين ستارًا لأفعالها الإجرامية.
ما يفهم من هذه الخطبة العصماء لأبو الغيط في توصيف الجرح الغائر الذي أسهم فيه ما سمي "الربيع العربي"، أن جامعة الدول العربية لا تزال تمتلك موهبة توصيف الأحداث، لكنها في الوقت ذاته أيضًا تجيد التنصل من مسؤولياتها، بل لها باع طويل في ذلك، وفي عدم الشجاعة في الاعتراف بأدوارها الفادحة التي أوصلت الوضع العربي برمته إلى هذا الانحدار الأخلاقي والانحطاط في القيم والمبادئ، وليس فقط وضع المرأة العربية؛ فالجامعة نسيت دورها الكارثي في تمرير المشروع الصهيوني ـ الأميركي ـ الغربي لهدم الإنسان العربي ذكرًا كان أو أنثى، باعتباره الأساس الذي سيقود إلى هدم الدول العربية وبخاصة تلك المستهدفة والتي تقف على مسافة بعيدة من السياسات الأميركية والغربية والصهيونية، وتساند القضايا العربية العادلة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي رأت جامعة الدول العربية أن المرأة الفلسطينية تتعرض لأوضاع مأساوية جراء الانتهاكات وجرائم الحرب التي يرتكبها كيان الاحتلال الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني وخاصة النساء والأطفال. غير أنها لم تسأل لماذا؟ لأنهما (النساء والأطفال) الأساس في استمرار النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني، ولأنهما العصب الحيوي للقضية الفلسطينية وتذكير العالم بعدالتها وخذلانه وتواطئه، ولأنهما وقود النضال عبر أجياله المتعاقبة، ولأنهما القوة التي لم ولن يتمكن بسببها كيان الاحتلال الصهيوني من تصفية القضية الفلسطينية رغم تعاون قوى الشر والخيانة والنذالة في العالم أو الإقليم.
المثير للسخرية والمبكي في الآن ذاته، رأى أبو الغيط أن إطار العمل الخاص بتنمية المرأة والسلم والأمن يستدعي من الدول العربية التحرك في اتجاهات إضافية، من بينها، أولًا: بناء القدرات لمواجهة نشاطات التنظيمات والجماعات الإرهابية، ليس فقط من خلال المواجهة الأمنية، ولكن أيضًا عبر التصدي للفكر المتطرف، والذي لا يتورع عن التحفيز على تجاهل أو الإقلال من حقوق المرأة أو ارتكاب انتهاكات مختلفة ضدها. ثانيًا: تعزيز دور القيادات النسائية والمجتمعات المحلية ووسائل الإعلام والمؤسسات الدينية في مجال حماية المرأة وتعزيز احترامها. ثالثًا: تعزيز المشاركة العربية في النقاش الجاري حول الإعداد لمرحلة ما بعد انتهاء النزاعات، خاصة وأنه من المتوقع أن تواجه المنطقة ضرورة ملحة في مرحلة ما لإطلاق عمليات ضخمة لإعادة الإعمار لا بد وأن تأخذ في اعتبارها الأوضاع الخاصة بالمرأة والطفل. رابعًا: النظر في إنشاء منظمة عربية للإغاثة الإنسانية حتى تكون الاستجابة أكثر تأثيرًا وحرفية ومخاطبة للاحتياجات الحقيقية للفئات المهمشة المختلفة ومن بينها النساء استعدادًا لاحتمالات الطوارئ في المستقبل.
ويبدو أن أبو الغيط نسي سريعًا أو تناسى أنه وهو يعدد حلوله الجريئة لإنقاذ المرأة العربية أنه لا يزال من الرافضين لكل الحلول والإجراءات التي تتخذها الحكومة السورية والمتوافقة تمامًا مع البنود الأربعة التي سردها كخريطة لإنقاذ المرأة العربية، حيث كانت انتقاداته للتسويات والمصالحات التي قامت بها الحكومة السورية مع التنظيمات الإرهابية في منطقة داريا ومعضمية الشام مقززة ومثيرة للغاية، رغم أن هذه المصالحات فيها تجنيب النساء والأطفال والشيوخ والبنية الأساسية من العنف والدمار والتشرد، وفيها أيضًا تأهيل لنفس الإرهابي لحياة السلم والأمن وإقناعه بالرجوع عن طريق الإرهاب والعنف والقتل والسبي وغير ذلك. كما أن أبو الغيط نسي أو تناسى أن الدول العربية الأعضاء في الجامعة والتي يطالبها بالتحرك لإنقاذ المرأة العربية بينها من فتحت صنابير الإرهاب والتمويل والدعم لتنظيماته، ولا تزال تواصل هذا الدعم الذي لا يغرق المرأة العربية وحدها في مستنقع التشرد والمعاناة والابتذال وانتهاك العرض والشرف، وإنما يغرق المجتمعات العربية بأسرها، وهو غرق لا مستفيد منه سوى الأعداء المتآمرين وفي مقدمتهم كيان الاحتلال الصهيوني.
[email protected]