[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
إعلان الولايات المتحدة عدم توصلها إلى اتفاق مع روسيا الاتحادية حول ملف الأزمة السورية، تارة على لسان رئيسها باراك أوباما، وتارة عبر خارجيتها، وتارة ثالثة عبر البيت الأبيض، هو إعلان لم ولن يكون مفاجئًا لكل المراقبين والمعنيين بمن فيهم الروس والشعب السوري والحكومة السورية وحلفاء سوريا، بل إن الإفشال لا يزال هو كلمة السر التي تمتلكها واشنطن ومن هم تحت عباءتها منذ تفجيرها بالأصالة والوكالة المؤامرة على سوريا طوال ما ينيف على خمس سنوات، وفوق ذلك تستعد لمزيد من الإفشال والتعطيل.

يقال إن الشيطان يكمن في التفاصيل، ومسارات الأزمة السورية ومنعرجاتها صعودًا وانحدارًا كشفت منذ البداية للعالم الحر ولكل ذي عقل ومنطق هذا الشيطان بهويته الأميركية ونياته التآمرية، بل إنها كشفت أن الشيطان الأميركي ليس وحده معنيًّا بالتغول في التفاصيل، وتلويث أفق الحل السياسي وتلغيمه بالإرهاب ودعمه والدفاع عنه، وإنما هناك شياطين كثر قد تغولوا وغاصوا في تفاصيل التفاصيل وفي مقدمتهم الشيطان الإسرائيلي الذي تكفلت أعوانه من الشياطين بالوكالة تدوير رحى الإرهاب لتطحن الشعب السوري وشعوب المنطقة من أجل بقائه وتنصيبه شيطانًا أكبر على المنطقة لينوب آباءه الأميركيين والبريطانيين والفرنسيين، وبالتالي يجب أن تقطع رؤوس الخير والحق والعدل، ويُباد الشرفاء والأمناء والمخلصون والمناضلون ضد احتلال الشيطان الإسرائيلي، ويسحقوا وينفوا من أرض المنطقة.
إن التوالي أو التناوب الأميركي ـ أيًّا كان الوصف ـ على إعلان فشل الاتفاق مع موسكو لا يعبِّر فقط عن مسعى أميركي نحو ذلك بالنظر إلى الوضع الميداني الذي جعل معسكر التآمر والعدوان على سوريا بقيادة الولايات المتحدة يحصد خيباته وانكساراته وهزائمه على أكثر من جبهة استُجْمِعت فيها بؤر الإرهاب وزُوِّدت من العتاد العسكري ما يفوق حاجتها، وبالتالي تتجه الإرادة الأميركية إلى المناورة واللعب بعامل الوقت لعله يجود على المعسكر الأميركي المتآمر بشيء من التوازن، ويجعل عموده الفقري المتمثل في الإرهاب وتنظيماته في وضع غير منحنٍ أو منكسر، وإنما يسعى المعسكر الأميركي المتآمر إلى الاستفادة من عامل الوقت لتعديل كفة الميدان لصالح الإرهاب القاعدي ـ رغم مساحيق التجميل المثيرة للضحك ـ ولانتظار هيلاري كلينتون «الرئيسة» المتحمسة لإحداث انقلاب كبير في ملف الأزمة السورية لصالح معسكر التآمر والإرهاب والعدوان بالقيادة الأميركية الجديدة، سواء لإشباع غرائزها الأنثوية المحملة بالأحقاد والكراهية لسوريا ولكل ما هو عربي، ولتسدد فواتير تمويل حملاتها الانتخابية، وتثبت أنها الحصان الرابح في مؤامرة تدمير الدول العربية المستهدفة لكون تحققه الأساس الذي به وعلى ضوئه سيُعاد رسم خرائط المنطقة، ولصالح شيطان الاحتلال والإرهاب الإسرائيلي، كما أعلنت المرشحة الديمقراطية هيلاري نفسها أن تدمير سوريا يجب أن يكون لخدمة حليف بلادها الاستراتيجي ألا وهو الشيطان الإسرائيلي الكامن في كل التفاصيل حتى تفاصيل الانتخابات الأميركية التي تتفاعل بما ينفثه فيها الشيطان الإسرائيلي ولوبياته في الولايات المتحدة، والتي لا تأتي نتائجها إلا من أجل تحقيق نزوات الإسرائيلي وشهواته الشيطانية.
أوباما في معرض تبريره لفشل الاتفاق مع روسيا الاتحادية أكد أن واشنطن تتعامل مع المحادثات «ببعض التشكيك، ولكن الأمر يستحق المحاولة».. مضيفًا «حتى لو اقتصر الأمر على حصول الأطفال والنساء والمدنيين الأبرياء على الطعام والإمدادات الطبية التي تعينهم في رعب التفجيرات المستمرة، فإن الأمر يستحق العناء». وبهذا التصريح يعطي أوباما دليلًا إضافيًّا على أن ما تريده بلاده من تأبطها الإرهاب في سوريا واستهدافها شعبها وجيشها وقيادتها به يتجاوز ما كانت ترفعه من شعارات من قبيل «مساعدة الشعب السوري» و»حماية الحريات وحقوق الإنسان» و»نشر الديمقراطية»؛ لأنه لو كانت هذه الشعارات هدفًا وسببًا لتدخل الولايات المتحدة، لاختلف السلوك الأميركي حيال الأزمة، ذلك أن التخلي عن دعم الإرهاب وتنظيماته، ووقف القتال، والعمل على استقرار الأوضاع، وإشاعة أجواء الأمن والطمأنينة للشعب السوري، هي المرتكز الحقيقي والصحيح والسليم، ليس لإيصال المساعدات الإنسانية ـ مع أن الشعب السوري لم يكن بحاجة إلى هذه المساعدات لولا الحصار الجائر الذي فرضته الولايات المتحدة وتوابعها على الشعب السوري، ولولا السطو الجائر الذي تقوم به التنظيمات الإرهابية التي يدعمها معسكر التآمر والإرهاب الذي تقوده الولايات المتحدة على قوافل الإغاثة والمساعدات الإنسانية ـ وإنما هي المرتكز والقاعدة العريضة لنشر الديمقراطية وحماية الحريات وحقوق الإنسان، والتي بتحققها يتحقق شعار «مساعدة الشعب السوري» و»تحقيق تطلعاته». غير أن عبارة « الأمر يستحق العناء»، ودون شك، أن المقصود بالأمر هنا هو التدخل وتأزيم الأوضاع ودعم الإرهاب وتمزيق النسيج الاجتماعي عبر المكوِّن الكردي الذي ـ للأسف ـ لم يعِ السواد الأعظم من أفراده خطورة اللعبة الأميركية، فقيام ميليشيات ما يسمى «ب ي د» برفع العلم الأميركي في مناطق الشمال السوري تعكس مدى الانسلاخ والتحلل والتمرد على الوطن السوري.
إن الإفشال الأميركي المتعمد للجهود الروسية في حل الأزمة السورية ومحاربة الإرهاب، كان له صداه يوم أمس الأول عبر سلسلة التفجيرات الإرهابية التي استهدفت سوريا من الحسكة إلى طرطوس إلى حمص ثم ريف دمشق، وقبل أن تكون هذه التفجيرات الإرهابية رسالة شكر للولايات المتحدة على إفشالها للاتفاق، هي رسالة أميركية لروسيا وسوريا وحلفائهما أن واشنطن لا تزال قادرة على توجيه سلاح الإرهاب وتوظيفه لخدمة مشروعها في سوريا، وهو خيارها الثابت لا الحل السياسي.

[email protected]