تدخل السلطنة طورا وعتبة جديدة في سجل استضافة الأحداث الرياضية الدولية بعد أن حقّقت وزارة الشؤون الرياضية ومشروع عُمان للإبحار نجاحا كبيرا في إقامة ثلاث بطولات متتالية لفئة قوارب الليزر في المدينة الرياضة بالمصنعة بعد عامين من الجهود والتخطيط المستمر والاستعداد لاستقبال 393 من الأبطال الأولمبيين وأفضل البحارة الممارسين لفئة الليزر من 51 دولة حول العالم خلال الفترة من نوفمبر وحتى إشراقة العام الحالي. وعقب أجواء من المنافسات والتفاعل على ثلاثة مستويات جمعت الأولمبيين ومن ثم المحترفين وأخيرا الناشئين، احتفلت المدينة الرياضية الأسبوع الماضي بالمجيدين من الأشبال المشاركين في بطولة الناشئين بعد أن أظهروا لمتابعي الحدث الهمة العالية والعزم وأبرزوا أداء أبهر اللجنة المنظّمة واستقطب الأنظار الصحفية والتغطيات الإعلامية. ولم تقتصر المتابعة طيلة البطولات على المدّربين وسط الحدث بل امتدّت شريحة الجماهير لتشمل العائلات والأصدقاء سواء أولئك الذين فضّلوا القدوم للإقامة في منتجع ميلينيوم المصنعة أو المتابعة إلكترونيا.

وأشار عيسى بن سلطان الإسماعيلي مدير عام البطولة ومدير عام الفعاليات في مشروع عُمان للإبحار التخطيط لهذه الاستضافة العالمية بدءا من سنتين، توالت بعدها جهود اللجنة المنظّمة للخروج بمستوى مميّز ومشرّف من التنظيم والإدارة فور قبول الاتحاد الدولي للإبحار الشراعي لفئة قوارب الليزر. وأكّد الإسماعيلي أن الأهداف الموضوعة من تنظيم البطولة تحقّقت بشكل ناجح وعلى رأسها المساهمة في رفع مكانة السلطنة كوجهة رياضية صاعدة للإبحار وتعزيز مكانتها على خريطة عالم الإبحار، وتشجيع وتحفيز الشباب لصقل مستوياتهم ومهاراتهم في هذه الرياضة والوصول إلى مستويات أولمبية خلال المرحلة المقبلة.

وقد كانت مشاركة البطل الأسطوري روبرت شايدت حدثا لافتا اختطف عناوين الصحف الورقية والإلكترونية، حيث وصفت عودته إلى قوارب الليزر بعد تسع سنوات من الانقطاع نذيرا بمنافسة قوية وشرسة بين جميع المنافسين كما أضافت الأنواء الرعدية التي شهدتها المصنعة آنذاك حيزا آخر من التقلّبات في مجريات السباقات إلا أن البطل البرازيلي ظل محافظا على سيطرته على طليعة المشاركين. ولم يكن روبرت نفسه متأكدا من تحقيق نتائج عالية حتى انطلاقة سباقات اليوم الثاني التي تألق فيها وتربّع على عرش الصدارة ما ترك الميدان مفتوحا لمنافسة شرسة في اليوم الثالث الذي شهد سرعة رياح بلغت 15 عقدة تاركة القبرصي بافلوس كونتينديس في المرتبة الثانية بفارق 13 نقطة. وأعرب شايدت في نهاية السباقات بقوله "بعد انقطاع لتسع سنوات لم يكن في حسباني أن بإمكاني إحراز لقب من البطولة إلا أن انتصاري في هذه البطولة بعد المنافسة تعني لي ولعائلتي الكثير خصوصا وأنها الأعلى حتى الآن".

وبعد فترة بسيطة من إسدال الستار عن بطولة ستاندارد، بدأت اللجنة المنظّمة التأهّب لرحلة جديدة مع بطولة قوارب الليزر ماسترز للمحترفين والتي شهدت مشاركة 186 بحّارا ممن لهم باع ومشوار طويل في رياضة الإبحار تخطّى 25 عاما لدى البعض، كما تراوحت أعمار المشاركين بين 35-81 بحّارا ما أضفى طعما مختلفا للمتابعين والجماهير من ناحية ضرورة ممارسة الرياضة والمحافظة على اللياقة البدنية العالية منذ سن الشباب وحتى التقدّم في العمر. وقد تزامنت مع هدوء لسرعة الرياح في كافة أيام السباقات حيث تراوحت إلى 10 عقد فقط ما جعل صفارة الانطلاقة في كافة الأيام تبدأ في الظهيرة بدلا من الفترة الصباحية. وقد تمت إقامة السباقات على ثماني فئات مختلفة توزعت فيها القوارب في أرجاء البحر بدت وكأنها أساطيل حربية ما شكّل تحديا كبيرا لإدارة السباق المكّونة من مجموعة من الشباب العُمانيين من ناحية حساب النتائج والنقاط، إلا أنهم على الرغم من ذلك أظهروا مستويا محترفا في الإدارة والإشراف أشاد به جيف مارتن أمين سر الاتحاد الدولي للإبحار الشراعي لفئة قوارب الليزر والذي أعرب أن تجربة إدارة سباقات عالمية أكسبت الطاقم الإشرافي العُماني الكثير من الخبرات. وأعرب مارتن أن المستوى التنظيمي العالي الذي تم تقديمه يضع السلطنة في إطار الوجهات المنافسة لاستضافة الأحداث الرياضية الدولية.

أما في فئة ماسترز للمحترفين فقد شهدت تصدّر وإحكام قبضة الأمريكي بيتر سيدينبيرج البالغ من العمر 76 والذي مضى على مشاركاته في فئة الليزر منذ ثمانينات القرن الماضي، تاركاً البريطاني كيث ويكنز في المركز الثاني. ووصف سيدينبيرج هذا الفوز بأنه الأول على نظيره البريطاني في فئة راديال جريت جراند ماسترز. أما الأسترالية فينيسا دادلي فقد تربّعت على عرش فئة الليزر راديال جراند ماسترز حيث أعربت بقولها: "سعيدة جدا لأني لم أكن أتوقع انتزاع اللقب في هذه الفئة وقد كانت سرعة الرياح عاملا مساعدا في معظم الجولات والمنافسات فقد حافظت على أداء ثابت وتقدّم متواصل طيلة أيام السباقات لذا فإني راضية جدا عن المستوى الذي قدمته".

أما أواخر عام 2013م فقد كانت من نصيب الناشئين حيث انطلقت البطولة لتشهد منافسة بين الأشبال الذي توافدوا على المدينة الرياضية بالمصنعة واصفين جوها الرائع بأنه "جنة الإبحار"، وبعد أيام قليلة من التدريب بدأت منافسة أظهرت عزما كبيرا من المتسابقين للوصول إلى المستويات الأولمبية عبر سباقات هذا العام. وكان إجمالي المشاركين من فئة الذكور 51 بحّارا أما فئة الإناث فقد شهدت 28 بحارة. وخلصت السباقات إلى فوز البحّار المجري بنجامين فادناي بصعود في الأداء وانتقال من المرتبة العاشرة في اليوم الأول إلى صدارة البطولة متغلبا على الإيطالي جيانماركو بلانشستينربنقطة واحدة فقط. أما في فئة الإناث فقد وافقت النتائج التوقّعات بحيازة الفنلندية مونيكا ميكولا على لقب البطولة هذا العام بعد أداء رائع وثابت تواصل على مدى أيام الأسبوع ووسط ثقة وعزم كبير على اقتناص الصدارة لاحظته لجنة التحكيم عند انطلاق السباقات في اليوم الأول. وقد أعربت ميكولا أن سعيها للمحافظة على أداء ثابت طيلة أيام البطولة ساهم في التقدّم المطرد. ويلي الفنلندية مباشرة الثنائي النرويجي سيلين هيرود ولين فليم اللتان قدّمتا أداء ممتازا ومتوازيا طيلة أيام السباقات.
وتم على هامش حفل التتويج منح الإيطالي جيانماركو بلانشستينر جائزة أفضل بحار تحت سن 17 عاما بعد الأداء الذي قدّمه كما لم يحالفه الحظ بالتصدّر لبطولة فئة الذكور رغم تقدّمه في الأيام الأولى من السباقات، كما حصلت البريطانية كارينا مانويل على جائزة أفضل بحارة تحت سن 17.
وبعد الجهود المضنية التي كرّستها اللجنة المنظّمة، وإشادات الكثير من المهتمين حول مستوى التنظيم الذي قدّمه منظّمو الحدث الرياضي بمشروع عُمان للإبحار، يشير الكثير من المختصّين إلى أن المرحلة القادمة ستشهد المزيد من الإنجازات على صعيد سجل استضافات السلطنة للأحداث الدولية، ما سيضيف إلى رافد تطوير رياضة الإبحار في السلطنة والمنطقة ككل.