[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]
” .. أي موقف أعظم وأجل وأسمى من وقوف المسلم في صعيد عرفات وفي المبيت بمنى وفي السعي بين الصفا والمروة وفي الطواف بالكعبة والصلاة في صحن الحرم، لحظات مؤثرة هي أعظم من أن تنسى ومن أن تغيب عن فكر المسلم، جملة من الصور المشرقة كفيلة بأن تنير طريق المسلم وبأن تصرفه عن ارتكاب الموبقات وممارسة الأخطاء والرذائل وتوقفه عن المضي في إشهار سلاحه بوجه أخ له تحت شعار المذهبية والطائفية والمصلحة، ”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في هذه الأيام المباركة يلتقي المسلمون في صعيد واحد في صور ومعاني ودلالات وقيم إنسانية لا مثيل لها على الاطلاق، فتتلاشى الفوارق وتذوب الاختلافات وتلتقي الأرواح وتتمازج الأفكار والرؤى وتلتحم الأجسام وتشرق الملامح والوجوه وتتصارح القلوب فلا يبقى في النفس إلا الحب والتسامح والود والإشراقة البهية والأحاسيس الجميلة التي يعجز القلم عن تقديم وصف دقيق ومعبر عنها، فالحاج وهو في أوج نشاطه واندفاعه لحظة تلبية وتنفيذ وممارسة الشعائر ومعايشته الحميمية مع إخوانه الحجاج وهم في صلواتهم وابتهالاتهم ووقوفهم وطوافهم وانطلاقتهم الحماسية وإنجازهم المتتابع لشعائر الحج ... لا يعرف مظاهر التعب والسأم برغم ما تتطلبه شعائر الحج من قوة وجهد وصلابة، بل ويشعر بدلا من ذلك بالنشاط والراحة والبهجة وهذا ما يفسر انطلاق كبار السن والمرضى وشوقهم الدائم والمتجدد إلى تأدية مناسك الحج برغم ما يعتريهم من مظاهر الضعف والوهن والعجز أحيانا ومع ذلك نراهم وهم في أتم السعادة والصحة والحيوية وهم في الأماكن المقدسة يمارسون مناسك الحج، ومن لا يجد ذلك ويحسه ويتجاوب مع الموقف بمؤثراته الإيمانية والشعائرية والروحانية ومشاهده المليئة بالمعاني الإنسانية والقيم الأخلاقية، التكاتف والتلاحم والتآزر والتسامح والحب والتضحية والتفاعل الإيجابي مع صوره الكثيفة وأهدافه الكبيرة ... فالخلل ليس في الموقف ولا في التكليف ولا في المضامين والمعاني والشعائر إنما الخلل في الإنسان نفسه فليبحث في داخله عن الأسباب وليعمل على تقييم حالته الغريبة وواقعه الاستثنائي وليسرع إلى صياغة علاقة جديدة مع شعائر الركن الخامس من أركان الإسلام، ففي هذا المكان الطاهر يعيش المسلمون لحظة وجد ومشاعر إيمانية صادقة لا يجدها الإنسان في أي موقف أو مكان كما تتجلى في هذه المشاعر الطاهرة الاستثنائية، وقفة إسلامية تتسم بالتكامل والشمولية، ووحدة في المظهر والكلمة وفي أداء الشعائر، في الملبس (الإحرام)، وفي التنظيم والأداء والاتقان والتتابع في آلية ووسائل ممارسة الشعائر، وفي الصوت (لبيك اللهم لبيك) والابتهال الصادق إلى الخالق بأن يعيد للإسلام بهاءه وقوته وتعاليمه الصادقة وللمسلمين وحدتهم وتآلفهم، وبأن تنجلي بنور الإسلام وجوه الحقيقة، دعاء مشترك يخرج في صوت إسلامي جماعي يرفعه المسلمون لعناية الخالق عز وجل هدفه رفعة وخدمة الإسلام ومصلحة المسلمين وليس من أجل مصلحة مذهب أو عقيدة أو طائفة ... اجتماع إسلامي سنوي مبعثه الانتماء إلى الإسلام بسعته ورحابته وشموليته، فالحج ركن من أركان الإسلام تبرز حكمته في الانقياد والاستجابة لإرادة الخالق وتنفيذ وتأدية ركن رئيسي من أركان الإسلام وفريضة مهمة من فرائضه، لقاء فيه تتطهر القلوب وتسمو النفوس وتنشط العقول وتتسع رؤية الإنسان إلى مجالات أرحب وأشمل لخصائص الإسلام وعظمته وسموه، وقراءة أوسع للأهداف والمعاني ...عمل خالص لوجهه تعالى لا تشوبه شائبة، فأي موقف أعظم وأجل وأسمى من وقوف المسلم في صعيد عرفات وفي المبيت بمنى وفي السعي بين الصفا والمروة وفي الطواف بالكعبة والصلاة في صحن الحرم، لحظات مؤثرة هي أعظم من أن تنسى ومن أن تغيب عن فكر المسلم، جملة من الصور المشرقة كفيلة بأن تنير طريق المسلم وبأن تصرفه عن ارتكاب الموبقات وممارسة الأخطاء والرذائل وتوقفه عن المضي في إشهار سلاحه بوجه أخ له تحت شعار المذهبية والطائفية والمصلحة، الحج لحظة اختبار للإنسان اختبار لإيمانه ولمدى إدراكه لمعاني الحج وآثار ذلك عليه في سلوكه وفي رؤيته وأفكاره .

[email protected]