لعلماء العربية أقوال متفرقة متناثرة في كتب اللغة والأدب حول الفروق بين بعض الألفاظ التي قد يجهلها كثير من الناس لقلة دوران أمثالها على الألسنة أحياناً ، ولعدم التدقيق في أمرها في أحيان أخرى ، من مثل قولهم: الوِرْث في الميراث ، والإِرْث في الحَسَب ، ففي تاج العروس للزبيدي ( الوِرث والميراث في المال ، والإرث في الحَسَب). وحكى بعض أهل اللغة أن السَّدَى: ما كان في أول الليل ، والنَّدَى: ما كان في آخره. يقال: سَدِيَتْ سدى إذا نديت، قال صاحب اللسان: (السَّدَى: ندى الليل وهو حياة الزَّرع.... وحكى بعض أهل اللغة أن رجلاً أتى الأصمعي فقال له: زعم أبو زيد أن النَّدى ما كان في الأرض ، والسَّدَى ما سقط من السماء ، فغضب الأصمعي وقال: ما يصنع بقول الشاعر ـ وهو عمر بن أبي ربيعة ـ :
ولَـقَدْ دَخَلْتُ البيتَ يُخشى أهلُهُ بَعْدَ الهُـدوءِ وبعدَ ما سَقَطَ النَّدَى
أفتراه يسقط من الأرض إلى السماء؟!. وسَدِيَت الليلةُ فهي سَدِية إذا كثر نداها ).
ومن أمثال هذه الفروق في الألفاظ قولهم: الرِّحلة والرُّحلة ، فالرِّحلة (بالكسر) الارتحال ، والرُّحلة (بالضم) الوجه الذي تريده ، تقول: أنتم رُحلتي ، وفي تاج العروس للزبيدي ( الرِّحلة بالكسر: الارتحال للمسير ، يقال: دَنَتْ رِحلتُنا... وبالضمّ: الوجه الذي تقصده وتريده وتأخذ فيه ، يقال: أنتم رُحلتي أي الذين أرتحل إليهم).
وقالوا في قوله تعالى: وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً  الآية السادسة عشرة من سورة الكهف ، فقد أورد مكي بن أبي طالب القيسي في كتابه الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها: (أن كلمة (مرفقا) أي ما ترتفقون به من غداء وعشاء، قُرئت بفتح الميم وكسر الفاء وهي قراءة نافع وابن عامر ، أما الباقون فبكسر الميم وفتح الفاء). والذي اختاروه: المَرْفِق في الأمر ، والمِرْفَق في اليدّ.ففي المحكم ابن سيده نجده يقول: المِرْفَق: من الإنسان والدَّابّة ، والمَرْفِق: الأمر الرفيق). وقالوا من ذلك: كل مستدير كِفَّة ، وكل مستطيل كُفَّة: يريدون بذلك ما استدار مثل كِفَّة الميزان وحبالة الصائد ، وما استطال مثل كُفَّة الرَّمِل، ففي صحاح الجوهري:( وكان الأصمعي يقول: كل ما استطال فهو كُفَّة بالضم ، نحو كُفَّة الثوب وهي حاشيته ، وكُفَّة الرَّمل وجمعه كِفاف. وكل ما استدار فهو كِفَّة بالكسر ، نحو كِفَّة الميزان ، وكِفَّة الصائد وهي حِبالته ، وكِفَّة اللِثة وهي ما انحدر منها. قال ويقال أيضاً: كَفَّة الميزان بالفتح، والجمع كِفَف).ومن ذلك النِّدّ والضِّدّ ، فالنِّد من كل شيء مثله ، والضِّد خلافه. وشبيه بهذا الغَطَف والوَطَف ، فالغَطَف قلّة شعر الحاجبين ، والوَطَف كثرته. ويقولون من هذا في الماء: سَنَنْتُهُ وشَنَنْتُهُ ، فسَنَنْتُ الماءَ على وجهي إذا أرسلته إرسالاً. فأما شنَّ الماء فهو أن يصبّه صبّاً ويفرّقه. ومن ذلك قولهم: نَشَطّتُ الأنشوطة: عقدتُها ، وأنشطتها: حَلَلْتُها. قالوا: وكان أبو عمرو بن العلاء يقرأ هذه الآية:  إلا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ  الآية تسع وأربعون ومئتان من سورة البقرة ، ويقول: ما كان باليدّ فهو غُرفة ، وما كان بإناء فهو غَرفة.
ومن ذلك: العَيْمان والغَيْمان ، فالعَيْمان: الذي تأخذه عَيْمَة إلى اللبن أي يشتهي اللبن ، والغَيْمان: العطشان ، والمرأة غيمى أي عطشى ، ففي الصحاح للجوهري (العَيْمَة: شهوة اللبن. قال ابن السّكّيت: إذا اشتهى الرجل اللبن قيل: قد اشتهى فلان اللبن ، فإذا أفرطت شهوته جداً قيل: قد عامَ إلى اللبن. ورجل عَيْمَان أَيْمَان: ذهبت إبلُه وماتت امرأتُه) ، كما نصّ كذلك على أن ( الغَيْم: العطش وحرّ الجوف).
ومن ذلك قولهم: التَّحَسُّس في الخير ، والتَّجَسُّس في الشّر ، والتَّجَسُّس لغيرك والتَّحَسُّس لنفسك. والجاسوس عندهم صاحب سرّ الشَّر ، والحاسوس والناموس صاحب سرّ الخير.
ومن ذلك الفَرْجة والفُرْجة ، فالفَرْجة (بالفتح) لا تكون إلا في الأمر الشديد ، والفُرْجة (بالضم) تكون في الصّفّ والحائط. ومنه اللِّثام واللِّفام ، فاللِّثام ما كان على الفم ، واللِّفام ما كان على طرف الأنف. ومن ذلك الإدْلاج: هو سير أول الليل ، أو كما عند بعضهم هو سير الليل كله ، والإدِّلاج (بتشديد الدال) سير آخر الليل. ومنه قولهم للرجل شَعْرَاني إذا كان طويل شعر الرأس ، ورجل أشعر إذا كان كثير شعر البدن. ومنه: كل شيء يضرب بذنبه فهو يلسع ، مثل العقرب والزنبور وما أشبههما ، وكل شيء يفعل ذلك بفيه فهو يلدغ كالحية وما أشبهها.

د.أحمد بن عبدالرحمن بالخير
استاذ الدراسات اللغوية بكلية العلوم التطبيقية بصلالة
[email protected]