ينتفض ما يسمى بالمجتمع الدولي الذي يعتبره زعماء الدول الغربية مناصرًا لحقوق الإنسان حين يحدث حادث في دولة عربية تجاه الأجانب أو المحليين، وكأنهم أوصياء على الدول، لكنه يصم أذنيه ويغلق عينيه عن كل جريمة يرتكبها كيان الاحتلال الإسرائيلي، وكأن الإنسان العربي الفلسطيني ليس مشمولًا بحقوق الإنسان والمعاهدات المنظمة لتلك الحقوق.
فقد أصبح قتل الفلسطينيين العزل طقسًا يوميًّا أو شبه يومي تمارسه سلطات الاحتلال، سواء العسكريون أو قطعان المستوطنين المسلحين في الأراضي المحتلة في الضفة الغربية أو القدس أو قطاع غزة أو في المخيمات. وإزاء هذا الواقع المؤلم لم تتورع القوى المتحالفة استراتيجيًّا مع كيان الاحتلال الإسرائيلي عن المجاهرة بدعمها غير المحدود سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا في الوقت الذي تتحدث فيه عن اهتمامها بحل ملف الصراع العربي ـ الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، بل وإمساكها بهذا الملف كما هو حال الولايات المتحدة التي لم تكتفِ بالسكوت والدعم المالي والعسكري عن جرائم الحرب التي يرتكبها كيان الاحتلال الإسرائيلي فحسب، وإنما انتقلت إلى مرحلة متقدمة جدًّا باعتبار هذه الجرائم "دفاعًا عن النفس، وحقًّا يستوجب القيام به"، في إسناد واضح ودعم بيِّن للاحتلال الإسرائيلي وسياساته الخارقة للقانون الدولي والضاربة عرض الحائط بكل قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، ما أعطاه دافعًا أكبر لمضاعفة جرائم حربه بحق المدنيين الفلسطينيين العزل، والاستمرار في نهب أراضيهم وتدنيس المقدسات الإسلامية والمسيحية.
كان هناك اعتقاد بأن كيان الاحتلال الإسرائيلي أصبح عبئًا ثقيلًا جدًّا على حلفائه الاستراتيجيين الذين غرزوه خنجرًا مسمومًا في خاصرة الوطن العربي ودعموه ولا يزالون يدعمونه، وذلك جراء سياساته الإجرامية وانتهاكاته ضد الإنسانية وجرائم الحرب المتوالية التي يرتكبها بحق المدنيين العزل الفلسطينيين والعرب، غير أن الواقع يدحض هذا الاعتقاد جملةً وتفصيلًا بالنظر إلى حقائق الزمان والمكان، وبالاستناد إلى السياسات الراهنة لحلفاء كيان الاحتلال الإسرائيلي؛ فلم يكن "الحريق العربي" والدور الكبير والضخم الذي يلعبه هؤلاء الحلفاء وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، فضلًا عن كيان الاحتلال الإسرائيلي ذاته، سوى وسيلة من الوسائل التي خطط لها عتاة الصهاينة المعبئين بالأحقاد والكراهيات لكل ما هو فلسطيني وعربي، وتنفذها وترعاها أجهزة استخبارات الحلفاء مع الموساد الإسرائيلي، وليس التعاون القائم بين هذه الأجهزة وبين من يسمون اليوم بـ"الثوار" و"المعارضة المعتدلة" إلا أحد الأدلة الثابتة على حقيقة هذا الراهن العربي المخزي والمؤلم.
وفي السياق ذاته، أيضًا لم يكن توقيع إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما على اتفاق المساعدات العسكرية لكيان الاحتلال الإسرائيلي خلال العقد القادم، وارتفاع حجمها إلى رقم قياسي، سوى دليل على ما قاله أوباما ذاته إن الولايات المتحدة ملتزمة بالدفاع عن كيان الاحتلال الإسرائيلي وعن أمنها؛ أي أن هذا الدعم المالي مثلما هو قابل لبلوغ الأرقام الخيالية فإن الدعم العسكري والسياسي لن يقل عنه ولن يختلف عنه في شيء حتى لو اكتظت المنطقة وليس فلسطين المحتلة بجرائم الحرب والتطهير والإبادة الإسرائيلية بحق شعوب المنطقة. فقد وقعت الولايات المتحدة وحليفها الاستراتيجي كيان الاحتلال الإسرائيلي، يوم الأربعاء الماضي، على اتفاق بخصوص حجم المساعدات العسكرية التي ستمنحها واشنطن لحليفها الإسرائيلي خلال عشر سنوات، ابتداء من عام 2019 حتى عام 2029، وبلغت قيمة هذه المساعدات 38 مليار دولار، وهو أعلى رقم حصل عليه كيان الاحتلال الإسرائيلي في تاريخ علاقاته التحالفية الوثيقة مع الولايات المتحدة، ويعد الرقم الأكبر الذي تقدمه واشنطن لدولة أخرى في تاريخها. والمثير للانتباه أن هذا الدعم السخي والأكبر الأميركي تزامن مع إحياء الشعب الفلسطيني ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا التي راح ضحيتها نحو ثلاثة آلاف من سكان مخيم صبرا وشاتيلا على أيدي عناصر من جيش الاحتلال الإسرائيلي وعملاء مسلحين من أحزاب لبنانية خلال اجتياح كيان الاحتلال الإسرائيلي لبنان عام 1982م، حيث كان الهدف تطهير لبنان من الوجود الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية آنذاك. فأن يتزامن هذا الدعم الأميركي الضخم مع هذه الذكرى المؤلمة إلى جانب الإعدامات الميدانية والانتهاكات والاستيطان وتهويد القدس وحملات الاعتقال من قبل كيان الاحتلال، فهو تزامن قد لا يكون من باب المصادفة، وإنما توقيته مع ما يديره كيان الاحتلال الإسرائيلي وحليفته الولايات المتحدة من فوضى إرهابية وتطهير وفتن طائفية ومذهبية ضد دول المنطقة لا يخرج عن ما ذكرناه آنفًا؛ أي أن هذا الدعم الأميركي مكافأة لما سبق من مجازر وجرائم حرب إسرائيلية سابقة وقادمة.