[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
المماطلة الأميركية في فصل من تسميهم الولايات المتحدة بـ"المعارضة المعتدلة" عن التنظيمات الإرهابية المسلحة الأخرى، وكذلك في الضغط على هذه التنظيمات الإرهابية المسلحة للتوقف عن خرق اتفاق وقف إطلاق النار ـ رغم الإلحاح الروسي ـ هي سلوك أميركي وثابت من ثوابت السياسة الأميركية، لا تلجأ إليه إلا حين تواجه صعوبات أو تبحث عن إنجاز أهداف بعينها.
وأمام الإلحاح الروسي تواجه الولايات المتحدة ـ في تقديري ـ صعوبات في تحقيق أمرين: الأول هو تحقيق أعلى قدر من المصالح والأهداف، والثاني يتمثل في عملية الفصل المطلوبة بفرز المعتدلين والمتطرفين. ومنشأ الصعوبة هنا يعود إلى عوامل عدة من بينها أن واشنطن صاحبة الباع الطويل في صناعة التنظيمات الإرهابية وإدارتها ودمجها وتوجيهها تواجه ضغوطًا صهيونية وإقليمية لعدم الرضوخ لمطالب موسكو بفصل ما يسمى "المعارضة المعتدلة" عن تنظيم "جبهة النصرة" الإرهابي لاستهدافه؛ لكون هذا التنظيم هو الذراع اليمنى والأقوى لكيان الاحتلال الصهيوني وللقوى الإقليمية المتحالفة والمتعاونة مع واشنطن وتل أبيب في صناعة التنظيمات الإرهابية المسلحة، وتراهن جميعها على أن يكون هذا التنظيم الإرهابي ـ ومن معه من التنظيمات الإرهابية الأخرى ـ جيش لحد الجديد في الجولان السوري المحتل، وفي عملية تدمير سوريا وإسقاط حكومتها، وما توسيع كيان الاحتلال الصهيوني عمليات استقباله للمصابين من عناصر هذه التنظيمات الإرهابية لعلاجها إلا أحد الأدلة على ذلك، بالإضافة إلى أن واشنطن وهي المنتِجة والصانعة مع حلفائها وعملائها للتنظيمات الإرهابية تعلم يقينًا أن ليس هناك "معارضة معتدلة" و"غير معتدلة"، وإنما كلها إرهابية تمارس العنف والقتل والتدمير، وتعتنق الفكر التكفيري الظلامي، وتنتمي إلى مرجعية واحدة وهي تنظيم القاعدة الإرهابي، وبالتالي فإن عملية الفصل ستعني قيام واشنطن بالاستغناء عن خدمات فريق من خدَّامها المخلصين ألا وهو ما يسمى "جبهة النصرة" الإرهابي، وهو فريق يمتلك إمكانات إرهابية هائلة وواسعة خدم مصالح الولايات المتحدة من قبل، ويمكن أن يخدمها حاضرًا ومستقبلًا، وهذا ما قد يؤدي إلى تمرد التنظيم الإرهابي على سيده، مع عدم إغفال أمر مهم يتمثل في الضغط الصهيوني على واشنطن لاستثناء هذا التنظيم الإرهابي من الاستهداف للاعتبارات التي سبق ذكرها.
وعلى فرض أن هذا التقدير صحيح.. فإن المماطلة والتسويف من قبل الولايات المتحدة في سرعة عملية الفصل ستعني أن ثمة مفاوضات واتصالات تدور بين هذه التنظيمات الإرهابية المسلحة والمنتِجين والمشغِّلين وبخاصة مع تنظيم "جبهة النصرة" الإرهابي لضم عناصره مع من تصفهم واشنطن بالمعتدلين لتجنيبهم الاستهداف على نحو ما تفعل تركيا إردوغان حاليًّا بضم عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي إلى التنظيمات الإرهابية المسلحة التي أنتجتها ودعمتها مثل ما يسمى "تنظيم نور الدين زنكي، وتنظيم السلطان مراد، وتنظيم أحرار الشام" وغيرها، والتي أطلقت عليها مسمى "الجيش السوري الحر"، في لعبة مكشوفة ومفضوحة ومثيرة للضحك في الآن ذاته.
على الجانب الآخر وفي موازاة هذا الإخلال الأميركي باتفاق وقف إطلاق النار، تعمل الولايات المتحدة على تصعيد عامل المساعدات الإنسانية وتوزيع اتهاماتها تارة ضد روسيا الاتحادية بعدم ممارستها ضغطًا على الحكومة السورية، وتارة ضد الحكومة السورية والجيش العربي السوري بعرقلتهما مرور المساعدات الإنسانية. وهذا التصعيد يمكن حمله على تفسيرات ثلاثة؛ الأول: محاولة الاستفادة من هذا العامل إلى أقصى حد من حيث توفير الوقت اللازم واستثماره في إعادة تنظيم صفوف التنظيمات الإرهابية، وأيضًا في تقريب المدة المتبقية على مجيء إدارة أميركية جديدة. وبالتالي ليس مستبعدًا انتقال التصعيد الأميركي إلى ملف آخر بعد انتهاء ملف المساعدات الإنسانية. والثاني: هو محاولة تجريد الدولة السورية وأي من حلفائها مسؤولية مراقبة الشاحنات التي تنقل المساعدات الإنسانية؛ بحيث تناط هذه المسؤولية بطرف أكثر موثوقية من قبل معسكر التآمر والعدوان، والمماحكة هنا لا تعني سوى وجود سوء نية ومحاولة لإمداد التنظيمات الإرهابية المحاصرة شرق حلب بالعتاد العسكري والمؤن الغذائية والدوائية وتجهيزها لجولة إرهابية جديدة. الثالث: شعور الولايات المتحدة ومعسكر التآمر الذي تقوده بالافتضاح والانكشاف أمام العالم وخاصة تحت الضغط الروسي بالمسارعة في فصل ما تسميه بـ"المعارضة المعتدلة" عن التنظيمات المتطرفة وتحديدًا ما يسمى تنظيم "جبهة النصرة"، وتسليم موسكو بيانات حول مناطق تركز هذه "المعارضة المعتدلة"، وبالتالي تحاول واشنطن تغطية هذا الافتضاح بالانتقال إلى الهجوم بفبركة الأكاذيب والاتهامات الباطلة ضد موسكو بأنها عاجزة عن الضغط على الحكومة السورية والجيش العربي السوري للالتزام بالاتفاق والسماح بمرور المساعدات الإنسانية، وإظهارهما على أنهما هما من يعرقل وصولها إلى المناطق المحاصرة.
وفي خضم هذا الاشتباك السياسي الذي افتعلته الولايات المتحدة الداعم للإرهاب، جاء العدوان الغادر الذي شنته الطائرات الأميركية على مواقع الجيش العربي السوري في جبل الثردة بدير الزور والذي راح ضحيته اثنان وستون جنديًّا سوريًّا ومئة مصاب ليضفي مزيدًا من الأدلة على العلاقة القائمة بين الولايات المتحدة والتنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها "داعش والنصرة" حيث بدا العدوان منسقًا بين واشنطن وتنظيم "داعش" الذي زامَنَ هجومه الإرهابي مع العدوان وسيطر على مواقع للجيش العربي السوري الذي تمكن من استعادتها فيما بعد.

[email protected]