[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]
” الحقيقة الساطعة التي يجب أن نقولها لأنفسنا قبل الآخرين هي أن المجتمع التونسي أصابته الصدمة البورقيبية التي هزته هزا عنيفا حين سن الزعيم المولع بالغرب وبكمال أتاتورك قانون الأحوال الشخصية ولعله كان عن حسن نية لأنه يعتقد في نظريته الشهيرة وهي اللحاق بركب الحضارة والحضارة التي يقصدها هي دائما الغرب الأوروبي المسيحي وفرنسا أم الكنيسة و أم الحروب الصليبية و أم الاستخراب الذي احتل بلادنا قرنا وخرج بحرب تحريرية ومئات الآلاف من الشهداء.”
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(تونس الأولى عربيا...!) قرأت مثل هذه العناوين عندما كنا أول دولة عربية تعتق العبيد قبل أميركا وأول دولة عربية تسن دستورا سنة 1857 وأول بلاد تبدع في اللغة العربية حين وضع ابن منظور لسان العرب وأول بلاد يولد فيها مؤسس علم الاجتماع وفلسفة التاريخ ابن خلدون وأول بلاد عربية تمنح الأزهر شيخه الأكبر محمد الخضر حسين بعد أن كنا نحن الذين بنينا الأزهر والقاهرة التي تسمى الى اليوم باسم المعزية نسبة للمعز لدين الله الفاطمي ثم حين كنا نفوز في مجالات الرياضة والثقافة والعلوم واحتضنت بلادنا جامعة الدول العربية و ترأس تونسي منظمة المؤتمر الإسلامي وفاز أول عربي تونسي بالميدالية الذهبية في الألعاب الأولمبية بطوكيو ثم كانت بلادي هي الأولى بين بلدان (الربيع العربي) التي سلكت طريق التحول الديمقراطي بأقل التكاليف وبنوع من الوفاق الوطني الذي جنبنا والحمد لله مزالق الفتنة ومخاطر العنف. لكن نفس هذا العنوان قرأته يوم الثلاثاء الماضي على موقع صحيفة تونسية هي (الجريدة) وشعرت بالألم والحسرة بسبب نوع السبق الذي حققناه تقول (الجريدة) بأن معهد (إيفوب) الفرنسي المتخصص في استطلاعات الرأي وهو مؤسسة جدية ومحايدة استنتج بعد عمليات سبر للآراء بأن فرنسا تتقدم كل البلدان الأوروبية في .... قبول الخيانات الزوجية وتبريرها مع ميول للخلاعة وأنواع من الانحراف الأسري وتأتي شعوب ألمانيا وروسيا من بين المجتمعات التي تحافظ أكثر من سواها على تقاليد أخلاقها ودينها. ثم تكشف لنا صحيفة (الجريدة) في عدد الثلاثاء 8 أبريل بأن تونس تأتي في مقدمة المجتمعات العربية التي "ترى في الخيانات الزوجية شأنا داخليا شخصيا...!" وتأتي بلدان أخرى بعدها بأشواط. فتساءلت من باب الفضول هل هذا الاستطلاع صحيح ويعكس بالفعل حقائق تونسية اجتماعية خطيرة أم كما يقول محترفو ايجاد المؤامرات هذا المعهد (إيفوب) تحركه أياد خفية وهو أيضا يصطاد في الماء العكر! كما تعودنا حين نريد دفن رؤوسنا في رمال التخفي ولا نواجه معضلاتنا الاجتماعية بصدق وحزم؟ الحقيقة الساطعة التي يجب أن نقولها لأنفسنا قبل الآخرين هي أن المجتمع التونسي أصابته الصدمة البورقيبية التي هزته هزا عنيفا حين سن الزعيم المولع بالغرب وبكمال أتاتورك قانون الأحوال الشخصية ولعله كان عن حسن نية لأنه يعتقد في نظريته الشهيرة وهي اللحاق بركب الحضارة والحضارة التي يقصدها هي دائما الغرب الأوروبي المسيحي وفرنسا أم الكنيسة و أم الحروب الصليبية و أم الاستخراب الذي احتل بلادنا قرنا وخرج بحرب تحريرية ومئات الآلاف من الشهداء. أما غرائب الدهر وتقلباته العجيبة التي لا يذكرها العلمانيون التوانسة فهي أن فرنسا ذاتها واليوم أي سنة 2014 تطبق الحدود في قضايا الزنا ومن خلال إحصائيات رسمية نشرتها وزارة العدل في باريس فإن كل 48 ساعة تقتل امرأة فيما يسمى هنا جرائم عاطفية (كريم باسيونال) أي في الحقيقة زوج يكتشف خيانة زوجته فيقتلها لا رجما بل أشنع من الرجم وبلا أربعة شهود ولا بضوابط الأديان (سنة 2011 قتلت 186 امرأة بهذا الشكل !) فإقامة الحدود إذن لا تطبقها المجتمعات المسلمة بل سيدة العلمانية فرنسا! وليس هذا فحسب فإن الزواج العرفي وتعدد الزوجات منتشران في قمة السلطة الفرنسية وأعلى هرم فيها نزولا الى كل شرائح المجتمع وأنا عشت في فرنسا ثلث قرن واعرف هذا المجتمع بعمق! أليس الرئيس ميتران متزوجا من اثنتين؟ الزوجة الأولى دانيال رفيقته في الكفاح وأم لولدين والزوجة الثانية (أن بنجو) التي أنجبت له ابنته غير الشرعية الأنسة مازارين المولودة يوم 18 ديسمبر 1974 وعاش الرئيس طول كهولته مع زوجتين برضاهما ثم جاء دور الرئيس ساركوزي الذي تزوج عرفيا ثلاث مرات وأنجب منهن أبناء وبنات وعاشوا جميعا في ثبات ونبات ! والرئيس الحالي السيد فرنسوا هولند تزوج عرفيا بلا أية وثيقة من سيجولان روايال (الوزيرة الحالية في الحكومة) وأنجبت له عيالا صالحين ثم طلقها أو خلعته بالتراضي و تزوج عرفيا من السيدة الأولى الراهنة (الصحفية في مجلة باري ماتش ايرويلار ويقال إنه يسهر لدى أنسة أخرى هذه الأيام ونشرت إحدى المجلات صورته معها).
أمام هذه الحقائق الدامغة أتوقع بأن بورقيبة سيتململ في قبره لو سمع اليوم بأن فرنسا مثله الأعلى ونموذج العلمانية تطبق الحدود بالقتل وتبيح الزواج العرفي وزواج المسيار وتعدد الزوجات (لكن بمسميات أخرى) بل ويسجل في البلدية تحت مسميات متنوعة (منها pax) وتورث الزوجة الثانية والثالثة وتنجب الأطفال ولا قانون يتدخل لأنها حياة الناس الشخصية و حريتهم المدنية بلا تثقيل قيود أو تحميل المحاكم فوق طاقتها ومالا لزوم له. وأضافت السيدة (توبيرا) وزيرة العدل الحالية في فرنسا لهذه التسهيلات قانونا جديدا وهو الطلاق عبر شبكة الأنترنت فاختصرت الأتعاب و خلصت المحاكم من وجع الرأس.
أنا مع قانون يحمي الأسرة ولا يحمي المرأة فقط ويضيع حقوق الرجل وحين أدعو إلى إنشاء هيئة توافقية غير متحزبة مشكلة من رجال قانون وعلماء إجتماع ورؤساء جمعيات إجتماعية من نساء ورجال تعهد لهم أمانة إعادة صياغة مجلة الأحوال الشخصية بإلغاء كل الإنعكاسات السلبية التي نتجت عن سوء فهم أو سوء تقدير أو سوء تطبيق بعض فصولها فأنا لست عدوا للمرأة بل مناصرا حقيقيا لها لأن بعض نسائنا أسأن التصرف فيما أعطي لهن من حقوق و عاد ذلك عليهن وعلى أولادهن بالوبال. ومن ذلك انتشار ظواهر غريبة لم نكن نعرفها مثل العنوسة والأمهات العازبات وتفاقم الإجهاض الذي هو قتل للنفس بغير حق وبلغ الأمر بنا إلى تخصيص بيت الطاعة للرجال (فأحد المحسنين ـ المنصوري ـ خصص عمارة في أريانة لإيواء الأزواج المطرودين من ديارهم...!حسب بعض المواقع) إن المرأة التونسية الحرة يجب أن تفكر في كرامة الرجل و قوامته لأن الرجل هو ابنها وزوجها وأخوها وأبوها فلا تتمرد عليه ظلما لأنها هي الخاسرة في النهاية. وسنكمل هذا المقال الأسبوع القادم.