[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
العدوان الأميركي على مواقع الجيش العربي السوري في جبل الثردة بدير الزور لم يكن الأول ولن يكون الأخير، ذلك أنه عدوان حتى اللحظة لم يستثنِ أحدًا من الشعب السوري مدنيًّا كان أو عسكريًّا، حيث طالت الغارات العدوانية التي يشنها ما يسمى التحالف الستيني الذي تقوده الولايات المتحدة من قَبْل عشرات المدنيين السوريين في أكثر من منطقة سورية استهدفتها الطائرات الحربية لهذا التحالف.
إن هذا العدوان في توقيته وأهدافه وما نتج عنه من ضحايا في صفوف الجيش العربي السوري (62 قتيلًا و100 مصاب)، وهجوم إرهابي متزامن لتنظيم "داعش" الإرهابي، يكشف عن مسار أميركي جديد في التعامل مع ملف الأزمة السورية، وهو اللجوء إلى العمل العسكري المباشر لدعم العصابات الإرهابية في مواجهة الجيش العربي السوري ومنع تقدمه أو تحقيق انتصارات على هذه العصابات الإرهابية المسلحة؛ أي أن المخطط الصهيو ـ أميركي أخذ خطوة متقدمة بتعزيز الولايات المتحدة تموضعها الداعم للإرهاب في سوريا من أجل إخضاع المناطق السورية الحيوية تحت براثن الإرهاب، حيث إن من شأن هذه الخطوة أن تحقق الأهداف المرسومة منذ أمد بعيد، وهي تدمير سوريا كما فُعِلَ من قبل بالعراق وليبيا ويفعل بغيرهما. كما أن هذا العدوان جاء ليؤكد المؤكد ويثبت الثابت وهو أن "داعش" وغيره لم يولد على يد الداية الأميركية فحسب، وإنما كل الجهود الأميركية والإقليمية المتعاونة والمشاركة في ولادة هذا التنظيم وغيره من التنظيمات الإرهابية تنصب في أهمية تزويدها بما تحتاجه وتمكينها لتتوحش في المنطقة؛ باعتبارها الجيوش الصهيو ـ أميركية التي تحارب بالوكالة جيوش الدول العربية المستهدفة، انطلاقًا من الفكر المخطِّط بأن تدمير هذه الدول يبدأ من استهداف جيوشها والإطاحة بها أو إضعافها. والغارة العدوانية الأميركية والغارات العدوانية الإسرائيلية على الجيش العربي السوري في دير الزور والجولان السوري المحتل، واستهداف المطارات والمواقع العسكرية السورية، وتدمير شبكات الرادارات، بالإضافة إلى التصعيد المفتعل في ما يخص المساعدات الإنسانية وإدخالها إلى المناطق السورية المحاصرة التي خاصة يوجد بها الإرهابيون، كل ذلك كافٍ للبرهنة على علاقة الأمومة والأبوة القائمة بين الصهيو ـ أميركي ومن هم تحت عباءتهما وبين العصابات الإرهابية التي تعيث فسادًا، وترتكب الموبقات بحق الشعب السوري، وهو دليل كافٍ لإزالة الغشاوة عن أعين المخدوعين والمعزولين عن الواقع والمغيبين من أبناء هذه المنطقة والعالم لرؤية الحقيقة الساطعة كالشمس لا يمكن حجبها بغربال بأن ما يجري في سوريا هو مؤامرة إرهابية كونية تستهدف كيان الدولة، وهو أيضًا دليل كافٍ لدحض ادعاءات الولايات المتحدة بأنها تحارب الإرهاب، ولذلك من يتأبط الإرهاب ويدافع عنه ويدعمه لإشباع نزواته الخبيثة وشهواته المريضة، ويسعى من خلاله لتحقيق أهدافه ومشاريعه الاستعمارية في سوريا وبدماء شعبها، لن يتورع عن ممارسة عدوانه ودعمه للإرهاب وامتهان سياسة الكذب والنفاق على النحو المثير للضحك والسخرية في تبرير الجريمة العدوانية بحق الجيش العربي السوري في دير الزور.
ما من شك أن سيل هذه الممارسات العدوانية للولايات المتحدة وأتباعها في معسكر التآمر والإرهاب الذي تقوده نحو تدمير سوريا بلغ الزبى، وينبئ بالمزيد منها في قادم الأيام، وما على الشعب السوري سوى الاستعداد والتحضر في أي لحظة لعدوان صهيو ـ أميركي غاشم. فالولايات المتحدة من الواضح أنها تريد أن تعبث بالجغرافيا السورية في الشمال بالتعاون مع تركيا والميليشيات الكردية، وفي الجنوب مع حليفها كيان الاحتلال الإسرائيلي ووليديها تنظيمي "داعش والنصرة" الإرهابيين وأخواتهما من مشتقات تنظيم القاعدة الإرهابي، وهو ما يعد ترجمة وتنفيذًا لمخطط تقسيم سوريا؛ أي أن الدولة السورية باتت بين "إسرائيلين" في الشمال والجنوب، وما بينهما على الامتداد الجغرافي من الجولان السوري المحتل مرورًا بدرعا وحماة ودير الزور إلى الرقة والحسكة والقامشلي يقع تحت أعين الطائرات الحربية الأميركية وحمم نيرانها. ففي الشمال، تعمل "إسرائيل" التركية على سلخ الشمال السوري بذريعة منع قيام إقليم كردي منفصل يهدد تركيا ـ إردوغان، وقد عهدت بهذه المهمة للعصابات الإرهابية المنتجَة تركيًّا مثل عصابة نور الدين زنكي وعصابة السلطان مراد إلى جانب عصابتي "داعش والنصرة" الإرهابيتين والتي أطلقت عليها أنقرة مسمى "الجيش السوري الحر"، وهو مسعى مفضوح ومكشوف ومثير للسخرية في الوقت ذاته. وفي الجنوب كيان الاحتلال الصهيوني/ المستعمرة الكبرى المسماة "إسرائيل" تعمل على سلخ الجولان السوري بأكمله بإعادة احتلال المناطق المحررة منه بذريعة منع وصول المقاومة السورية ـ اللبنانية، وقد أعدت لهذه المهمة عصابة "جبهة النصرة" الإرهابية ومن ينضوي معها من العصابات الإرهابية الأخرى، لتكون جيش لحد الجديد.
على الجانب الآخر يأتي احتدام دعوات معسكر التآمر والإرهاب إلى إعلان هدنة جديدة في سوريا ـ غداة إعلان دمشق انتهاء وقف إطلاق النار الذي سرى منذ الثاني عشر من سبتمبر الجاري بموجب اتفاق أميركي ـ روسي ـ ليؤسس لجولات إرهابية عدوانية جديدة على الشعب السوري، وامتطاء معشر المتآمرين صهوات المساعدات الإنسانية لا يختلف في شيء عن بدعتهم المثيرة للسخرية وهي "المعارضة المعتدلة"؛ فمثلما أرادوا ستر دعمهم للإرهاب ضد الشعب السوري ورعايتهم للعصابات الإرهابية ببدعة ما يسمى "المعارضة المعتدلة" ودعمهم لها، يتظاهرون كذبًا ونفاقًا بأنهم حريصون على المدنيين السوريين بالعزف على وتر المساعدات لتزويد أدواتهم من العصابات الإرهابية بالعتاد العسكري اللازم والمؤن الغذائية والدوائية لكي تستمر في إهلاك الحرث والنسل في سوريا، ولتشبع نزواتهم وتحقق مخططاتهم الاستعمارية الخبيثة. والمثير للضحك هنا أيضًا والفاضح لمدى التآمر ومدى النفاق والكذب لمعشر المتآمرين الذين دخلت معهم طرفًا الأمم المتحدة هو سرعة إدانتهم لتعرض قافلة مساعدات تابعة للهلال الأحمر السوري والأمم المتحدة كانت متجهة إلى مدينة حلب، في حين انعقدت ألسنتهم ولازموا الصمت المطبق على الجريمة العدوانية الأميركية النكراء ضد الجيش العربي السوري وإيقاع عشرات الضحايا منهم بين قتيل ومصاب. والمؤلم هنا أن الأمم المتحدة قالت إنها تشعر بالاشمئزاز والصدمة من تعرض قافلة مشبوهة لهجوم، بينما فقدت كل مشاعر الإحساس والعواطف والضمير والمسؤولية الأخلاقية، ولم تصب بالاشمئزاز والصدمة ولا حتى الرعشة من المجزرة الأميركية بحق أبرياء سوريين يدافعون عن أرضهم وعرضهم، ويحاربون تنظيمات إرهابية صنفتها هي (الأمم المتحدة) بأنها إرهابية وحظرت التعامل معها، متجاهلة أنها تدين نفسها برفع عقيرتها للدفاع عن قافلة تدعم الإرهاب وبالصمت تأييدًا لمجزرة بحق أبرياء. إن هذا الانحدار الخطير والانحطاط الأخلاقي للولايات المتحدة وسياستها ولمن يتبعها وتحت عباءتها تسعى من خلاله إلى تغيير خريطة الميدان لصالح الإرهاب الخادم لمشاريعها، فهل ستنجح في ذلك؟ إن هذا العبث الصهيو ـ أميركي ـ التركي، يستوجب تحركًا مسؤولًا من قبل الدولة السورية وحلفائها، لإيقاف هذا العبث والانحطاط ووضع حد لهما، ونعتقد أن إنهاء الجيش العربي السوري لما يسمى التهدئة هو بداية هذا التحرك المسؤول الذي نثق بأنه قادر على إحباط مخططات الأعداء والمتآمرين.