المواقف الأميركية والغربية الداعمة والمشجعة على الإرهاب التي أوصلت المنطقة إلى ما هي عليه الآن من حرائق وحروب وفتن طائفية ومذهبية، لا تزال تستمرئ هذا السلوك المخالف للقانون الدولي والشرعية الدولية، وتتعامل بمعايير مزدوجة إزاء تدخلها السافر في الشأن الداخلي السوري، وتأزيم الوضع الإنساني ونقله إلى الوضع الكارثي جراء هذا الدعم غير المحدود للتنظيمات الإرهابية المسلحة، متدثرة بذرائع باتت مفضوحة ومكشوفة ولا تنطلي على كل ذي عقل ووعي. فمن يتابع السلوك العدواني للولايات المتحدة ومن تحت عباءتها ضد سوريا (شعبًا وجيشًا وقيادةً) يقف على الازدواجية وفائض النفاق في تبرير العبث الأميركي ـ الإسرائيلي ـ الغربي بالدم السوري، وبمقدرات الشعب السوري وبالبنية التحتية السورية، ما يؤكد التناقض الكبير والفاضح بين هذا السلوك العدواني العابث بالدم السوري وبين القول بأن الهدف من التدخل هو "مساعدة الشعب السوري" والوقوف إلى جانبه حتى تلبية طلباته. فدعم الولايات المتحدة ومعسكرها لتنظيم "داعش" الإرهابي على النحو الذي رآه العالم الحر بالعدوان على مواقع الجيش العربي السوري في جبل الثردة بدير الزور لتسهيل المهمة الموكلة إلى التنظيم الإرهابي بالاستيلاء على هذه المواقع، بهدف إحباط العملية التي أراد الجيش العربي السوري وحلفاؤه تنفيذها لتطهير دير الزور من رجس إرهاب "داعش"، هو دعم ليس الأول من نوعه ولن يكون الأخير طالما أن الحليفين الأميركي ـ الإسرائيلي لهما الهدف ذاته في سوريا والذي حققاه في العراق وليبيا.
ولعل ما جاء على لسان جون كيري وزير الخارجية الأميركي في جلسة المشاورات الطارئة حول سوريا والتي عقدها مجلس الأمن الدولي يوم أمس، يكشف حقيقة دور الولايات المتحدة في سوريا الداعم للإرهاب، وذلك حين طالب كيري موسكو في الجلسة وأمام مسمع ومرأى العالم بإجبار الدولة السورية على وقف تحليق الطيران الحربي السوري بذريعة/ خديعة "إنعاش الآمال في وقف إطلاق النار في سوريا". وهذه المطالبة واضحة لكل ذي عقل وألقى السمع وهو شهيد أنها لا تهدف إلى تحقيق ما برره بها، وإنما هي مطالبة تهدف إلى إقامة مظلة آمنة تسمح للتنظيمات الإرهابية بحرية الحركة وإعادة تنظيم صفوفها، وإعادة تزويدها بالعتاد العسكري اللازم وبالمزيد من التكفيريين والإرهابيين والمرتزقة على النحو الذي حدث فيما مضى أثناء الهدن السابقة. كما أن هذه المطالبة بعدم تحليق الطيران الحربي السوري ومنعه من القيام بمسؤولياته القانونية والشرعية بملاحقة فلول الإرهاب وتطهير المناطق السورية من رجسهم، وتجميد الوضع الميداني القائم، ومحاولة عرقلة الجيش العربي السوري عن إضافة أي تقدم وانتصار جديدين، هذه المطالبة تأتي في إطار السجال الأميركي للتغطية على الأدوار السلبية والمتخاذلة والمراوغة التي تتبعها واشنطن لعدم الوفاء بما تعهدت به ووقَّعت عليه من بنود في اتفاق وقف إطلاق النار، وأهمها فصل من تصفهم بـ"المعارضة المعتدلة" عن تنظيم "جبهة النصرة" الإرهابي؛ أي أن كيري اتبع سياسة الهروب إلى الأمام بهذه المطالبة للتنصل والابتعاد عن الحرج الذي سببته له ولبلاده مطالبة سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي بالوفاء بما تعهدت به من فصل "المعتدلة" عن "النصرة"، وعدم تجنيب الإرهابيين العقاب ببدعة ما يسمى "معارضة معتدلة"، وكذلك مطالبة لافروف بتحقيق نزيه في حادثة استهداف قافلة المساعدات الإنسانية في حلب، حيث جدد الجيش الروسي نفيه استهدافها، مؤكدًا أنه رصد طائرة مسيرة من نوع بريدايتور تابعة لقوات تحالف الولايات المتحدة كانت تحلق فوق القافلة قبيل احتراقها، ما يؤكد أن حرق القافلة مفتعل وكان ضروريًّا ولازمًا ارتكاب جريمته للتغطية على جريمة العدوان على الجيش السوري في جبل الثردة بدير الزور من أجل دعم تنظيم "داعش" الإرهابي، ولأجل التحريض والتشويه باتهام موسكو ودمشق بحرق القافلة، وهي جريمة (أي جريمة استهداف الجنود السوريين) عرَّت الولايات المتحدة وتحالفها، وأسقطت آخر ورقة توت كانت تتغطى بها بأنها تحارب الإرهاب.
إذًا، الشعارات التي ترفعها الولايات المتحدة ومعسكرها الذي تقوده وفي مقدمتها الحرب على الإرهاب هي أكذوبة كبيرة، والتفويض المعطى للولايات المتحدة بمكافحة الإرهاب هو تفويض وهمي، فلو كانت الولايات المتحدة صادقة فيما ترفعه من شعارات وتتفوه به لاستهدفت تنظيم "داعش" في الصحراء والبادية السورية والعراقية وهي صحراء مكشوفة، وجحافل التنظيم أيضًا مكشوفة وسهل استهدافها، بمعنى أنها غير واقعة بين قرى مسكونة ومدنيين، ولتخلت عن سياسة المراوغة في فصل من تصفهم بـ"المعارضة المعتدلة" عن تنظيم "جبهة النصرة" الإرهابي؛ أي أن هذه المحكات وغيرها أثبتت السقوط الأخلاقي، وفائض النفاق والكذب للمعادين المتآمرين على سوريا.