[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/alibadwan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي بدوان[/author]
”إن "إسرائيل" تبتكر طرق وأساليب مُتجددة لمعاقبة النواب العرب (الفلسطينيين)، مثلما تبتكر وتُشرع قوانين للتضييق على الشعب الفلسطيني، ومن أهم أوراق الضغط الصهيونية على النواب العرب رفع الحصانة، فوفقًا للقانون "الإسرائيلي" يمنح عضو الكنيست نوعين من الحصانة، الأولى تسمى بالموضوعية وتعفي عضو الكنيست من المسؤولية الجنائية أو المدنية على أعمال قام بها، أو أقوال صرّح بها أثناء أدائه لوظيفته أو من أجل أداء وظيفته.”

تسارعت خلال السنوات الأخيرة حملات التحريض ضد النواب العرب (الفلسطينيين) في الكنيست "الإسرائيلي"، وذلك على خلفية أدوارهم الوطنية المتصاعدة في كافة الاتجاهات، ومنها على خلفية لقائهم عددًا من ذوي الشهداء الفلسطينيين الذين نفذوا عمليات طعن ودهس ضد "إسرائيليين" من جنود الاحتلال ومجموعات المستوطنين المسلحين، حيث لم يتوانَ رئيس الحكومة "الإسرائيلية" في تهديد هؤلاء النواب والمطالبة بمعاقبتهم. وطالب نواب كنيست من اليمين بإبعادهم من العمل البرلماني.
وقد جاءت مصادقة الكنيست "الإسرائيلي" أواخر الشهر الماضي آب/أغسطس 2016، وبالقراءة الثانية والثالثة على مشروع قانون الإقصاء الذي يَمِسُ بشكلٍ مباشر النواب العرب(الفلسطينيين) تحت تُهمٍ شتى، لتبرهن مرة جديدة على مدى استفحال وحضور قوى التطرف داخل الكنيست وداخل بنى المجتمع "الإسرائيلي" وانحدارها المتتالي في مزالق العنصرية. فمشروع القانون يسمح بإلغاء عضوية النواب العرب في البرلمان "الإسرائيلي" في حال "حرضوا" على "الدولة" وفق ما ورد في نص المشروع، ليُمثّل بجوهرة نقلة على طريق قوننة وتشريع العنصرية ضد النواب العرب، وبالتالي عموم المواطنين العرب(الفلسطينيين) داخل إسرائيل.
المصادقة على مشروع القرار إياه، أتت بعد فترة قصيرة من تعهد رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو، بسن وتطبيق قانون "القومية" الذي يُعلي من شأن الانتماء للديانة اليهودية حتى على حساب "المواطنة الإسرائيلية" المُفترضة.
إن مصادقة الكنيست على قانون الإقصاء المتعلق بالنواب العرب (الفلسطينيين)، جاءت في سياقات من التحولات والممارسات الجارية في إسرائيل، والتي تقودها حكومة بنيامين نتنياهو وائتلافه اليميني منذ فترة ليست بالقصيرة. وزاد من ذلك انضمام أفيجدور ليبرمان وحزبه (إسرائيل بيتنا) للحكومة الائتلافية، وتربعه على رأس وزارة الجيش والأمن، واستصداره العديد من القرارات داخل وزارته، ومنها تعيين حاخامات جُدد من عتاة المتطرفين في قطعات الجيش العسكرية.
إن سلوك ليبرمان وقراراته الأخيرة داخل وزارة الجيش والأمن، دفعت بمحافل رسمية في مجموعة الاتحاد الأوروبي، وتحديدًا أحد مساعدي فيديريكا موجيريني، المُنسقة العليا للسياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، للقول "إن إسرائيل تُطبّق منطلقات تنظيم الدولة (داعش) وأفكاره في تعاملها مع الآخر". فالأوروبيون، وكما تُشير مصادر "إسرائيلية" وعلى لسان الوزير الإسرائيلي السابق أوري سافير "أبدوا استهجانهم من إقدام قيادة الجيش الإسرائيلي والوزير ليبرمان والحكومة في تل أبيب على تعيين الحاخام الجنرال إيال كريم، الذي أباح اغتصاب نساء العدو خلال الحروب، حاخامًا رئيسيًّا في الجيش الإسرائيلي".
إن "إسرائيل" تبتكر طرق وأساليب مُتجددة لمعاقبة النواب العرب (الفلسطينيين)، مثلما تبتكر وتُشرع قوانين للتضييق على الشعب الفلسطيني، ومن أهم أوراق الضغط الصهيونية على النواب العرب رفع الحصانة، فوفقًا للقانون "الإسرائيلي" يمنح عضو الكنيست نوعين من الحصانة، الأولى تسمى بالموضوعية وتعفي عضو الكنيست من المسؤولية الجنائية أو المدنية على أعمال قام بها، أو أقوال صرّح بها أثناء أدائه لوظيفته أو من أجل أداء وظيفته، ويكون محميًّا من كل خطوة قضائية تتخذ ضده، وترفع الحصانة، وفقًا لهذا القانون إذا أيد أعمال إرهابية ضدّ إسرائيل أو ضد يهود أو عرب بسبب كونهم يهودًا أو عربًا، في البلاد أو خارج البلاد. أما النوع الثاني من الحصانة فتسمى بالإجرائية، وبموجبها يتمتع العضو في فترة تولّيه منصبه في الكنيست بالحماية من الاعتقال، بسبب مخالفات ارتكبها وليس لها أيّ صلة بوظيفته كعضو كنيست، وتحميه هذه الحصانة من التفتيش في شقّته أو على جسمه أو في أغراضه.
ويعتبر التهديد بسحب المواطنة أيضًا من أبرز الطرق العقابية التي تنتهجها "إسرائيل" ضد البرلمانيين العرب (الفلسطينيين)، مثلما حدث في نوفمبر عام 2014، عندما أيد بنيامين نتنياهو مشروع قانون بالكنيست يدعو إلى سحب الجنسية، وفصل كل عضو كنيست يثبت أنه يدعم الإرهاب أو يؤيده.
هنا، علينا أن نلحظ، أن التفوهات والمواقف العنصرية الصادرة ضد الفلسطينيين وحتى عموم العرب، عن بعض الوزراء الإسرائيليين، لا سيما وزير الجيش والأمن أفيجدور ليبرمان ووزير التعليم نفتالي بينيت ووزيرة الثقافة ميري ريجف، تُثير حساسية الأوروبيين، وقد ساهمت تلك التصريحات في استشراء سياسة الغطرسة والقوة في التعامل مع الفلسطينيين وحتى مع المواطنين العرب (الفلسطينيين) داخل اسرائيل، وهم من مواطني الدولة.
في حقيقة الأمر، ودون مبالغات، إن المرجعيات الدينية اليهودية من خلال تحريضها على القتل وإصدارها الفتاوى التي تدعم هذا النهج "تسير على خطى داعش"، حيث تأتي الفتاوى التي أصدرها الحاخامات مؤخرًا باعتبارها المسؤولة عن "توفير الإطار الفقهي الذي يُشجّع على تنفيذ العمليات الإرهابية ضد الفلسطينيين"، بما في ذلك سياسة الإعدامات الميدانية الجارية ضد النشطاء الفلسطينيين، والاعتداء على النشاطات السلمية المناهضة للاحتلال والاستيطان. وعلى سبيل المثال: إن عددًا من الحاخامات برئاسة الحاخام إسحاق غيزنبيرغ، الذي يُعَدّ من أبرز المرجعيات الدينية اليهودية المُتطرفة في "إسرائيل"، اعتبروا إحراق عائلة دوابشة الفلسطينية قبل أكثر من عام "تطبيقًا لفرائض الشريعة اليهودية".
إن الحال السائد في "إسرائيل" دفع أحد أهم الأكاديميين اليهود المناهضين للصهيونية، ومن تيار المؤرخين الجُدد، شموئيل ساند، للقول "يشبه وضع اليهودي في "إسرائيل" وضع الرجل الأبيض في إفريقيا الجنوبية قبل عام 1994، حيث نظام الأبارتهايد والتمييز العنصري؟". مُضيفًا قوله "كيف يُمكن لإنسان غير مُتديّن، إنساني النزعة، ديمقراطي وليبرالي، ويتمتع بالحد الأدنى من الاستقامة أن يبقى يعرّف نفسه على أنه يهودي؟ أليس مجرد القول بأنني يهودي في "إسرائيل" يعني الانتماء إلى فئة مُتميزة تَخلِقُ حولها أشكالًا لا تُحتمل من الظلم؟".
ويخلص شموئيل ساند للقول "وعليه، ولكوني لا أحتمل القوانين الإسرائيلية التي تفرض عليّ الإنتماء إلى إثنية موهومة، ولا أحتمل أن أظهر إزاء بقية الناس بصفتي عضوًا في نادي أناس مُختارين، صرت أتطلع إلى الاستقالة وإلى التوقف عن اعتبار نفسي يهوديًّا. وأنا أعي بأنني أعيش في أحد المجتمعات الأكثر عنصرية في العالم الغربي، فالعنصرية في "إسرائيل" موجودة في روح القوانين، وهي تُدرّس في المدارس وتنشرها وسائل الإعلام".