[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
”لا أعتقد أن الذين يتابعون الوضع الغذائي في البلاد العربية لا يشعرون بأن الخطر الدائم لشحة الغذاء عربيا على الأبواب، وإذا كنت قد قلت في مقالة منذ عدة سنوات في صحيفة "الوطن" إن العطش العربي قادم، فإنني أقول هنا إن مشكلتنا الغذائية عربيا قادمة وبأرجل هذه المرة، لأن الحرب على العرب غذائيا لم تبدأ بعد باستخدام كل الأسلحة....”

لم يكتسح الموت مواطنين عربا حتى الآن ضمن أعداد كبيرة بسبب المجاعات على غرار المجازر التي تسببت بها السيارات المفخخة والعبوات الناسفة وحفلات الذبح بالسيوف, ربما مات عدد قليل من العرب نتيجة سوء التغذية والتأخر في توفير الإسعافات الغذائية، وربما مات آخرون نتيجة التخمة، لكن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال أن العرب, أغلب العرب يأكلون جيدا ثلاث وجبات ويتسللون إلى المطابخ في بيوتهم أو إلى مطاعم الأرصفة لتمضية الوقت بالأطعمة, ولا يعني ذلك أيضا أن بعضهم تخلى عن حمل (السندويشات) لساعة الصفر من وقت الوظيفة على غرار ما يفعله موظفون عراقيون يستقطعون بين الساعة أو الساعتين من وقت حقوق حقوق المراجعين للتداول بالأطعمة والمشارب كتقليد يومي لم تنج منه مكاتب الرئاسات العراقية الثلاث، بل الأشد وقعا من ذلك أننا في مناطق عديدة في البلاد العربية نتبادل الشكاوى من كثرة مخلفات الطعام، وإذا كان البريطانيون قد حسموا أمرهم في إعادة النظر بأنظمتهم الغذائية للحد من معدلات بقايا الطعام توفيرًا للمال، فلنا أن نتصور كم هو هائل الحجم المالي لفضلات الطعام عربيا، مع تأكيد لا غبار عليه أننا أصحاب امتياز وعلامات مسجلة في إقامة الولائم تحت ضغط اعتقاد زائف أن تقديم المزيد من الطعام للضيوف هو علامة ود كبير.
وعودة على بدء لا مخاوف لدينا حتى الآن من الموت جوعا في كل البلدان العربية بما فيها السودان التي تتصدر دائما بيانات وتقارير برنامج الغذاء العلني كمنطقة مرشحة لحصول مجاعات فيها، لكن ذلك لا يدفع أحدا إلى الاطمئنان أصلا على واقعنا الغذائي العربي إذا أخدنا بحقيقة أن 72% من أغذيتنا مستوردة، وأن بعض أسباب التآمر على بلدان عربية بعينها لأنها أصلا وضعت برامج تنموية للاكتفاء الذاتي الغذائي وفي مقدمتها سوريا التي نجحت إلى حد كبير في اجتياز أشواط مهمة على هذا الطريق بما في ذلك استصلاح أراضٍ بإزالة القشرة المالحة من الأراضي الصحراوية في البادية السورية وتحويلها إلى أرض زراعية ثم حصل ما حصل لإيقاف هذا المشروع التنموي الرائد، وكأن هناك خطة مبرمجة للحيلولة من تحقيق هذا الإنجاز، وفي السياق نفسه أيضا دخلت بلدان عربية أخرى ضمن غيبوبة توقف الحقوق التنموية باستصلاح الأرض ووقف الزحف الصحراوي وترشيد المياه تحت ضغوط المناسبات السياسية والأمنية, وأستطيع أن أجزم أن أغلب المؤسسات والوكالات المعنية بالشأن الاقتصادي ضمن جامعة الدول العربية هي الآن تحت ولاية (الصمت الزراعي) على إيقاع الصمت الانتخابي، ولك أن تدل على ذلك من خلو وسائل الإعلام على خلافها من أي تقارير تحمل مؤشرات واعدة بشأن الوضع الغذائي العربي بينما تتنافس هذا الوسائل الإعلامية في إظهار صور فاقعة لمطاعم وحفلات رقص واقتطاع بعض الوقت للإعلان أو للأخبار عن مجزرة حصلت هنا أو هناك، ثم يعود (الطعام) الإعلامي المألوف في التبشير بالويل والثبور والمزيد من التشرذم ولطم الخدود وإقامة مجالس العزاء وإلقاء خطب المآسي والويلات.
لا أعتقد أن الذين يتابعون الوضع الغذائي في البلاد العربية لا يشعرون بأن الخطر الدائم لشحة الغذاء عربيا على الأبواب، وإذا كنت قد قلت في مقالة منذ عدة سنوات في صحيفة "الوطن" إن العطش العربي قادم، فإنني أقول هنا إن مشكلتنا الغذائية عربيا قادمة وبأرجل هذه المرة، لأن الحرب على العرب غذائيا لم تبدأ بعد باستخدام كل الأسلحة، والأمر مؤجل إلى أن تكتمل الحرب عليهم في الصورة الحالية أو تتداخل معها وستهرع جامعة الدول العربية إلى عقد مؤتمرات أو ندوات أو حلقات عمل لمعالجة هذا النوع من الخطر الجديد، ولكن دون أن تتخلى عن إقامة ولائم لإشباع المشاركين في تلك النشاطات مع الحرص على تقديم المقبلات، ويكفينا متاهة في البلاد العربية أننا لم نعقد حتى الآن حلقة قومية لنخب اقتصادية تقدم حلولًا من أجل إعادة تدوير الخطط التنموية بما يلبي الاكتفاء الذاتي الغذائي تمامًا، كما لا يمكن لنا أيضا أن نتخلى عن البشرى السارة في تسويق إعلانات عن وصول الثوم الصيني إلى أسواقنا وكأن استيراد الغذاء قدرنا، أليس في ذلك ما يدعو إلى التبصر لقطع الطريق على النزعة الاستهلاكية الغذائية الحالية كونها وليدًا اقتصاديًّا غير شرعي؟