إسرائيل تحتفظ بالوثائق الحقيقية للمجزرة وأعداد الشهداء 4 انتهاكات غامضة أحدثت شرخاً فى قيم المجتمع الدولى


[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2016/04/ayman-hussien.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أيمن حسين
مراسل الوطن[/author]

فى 16 سبتمبر من كل عام تحل ذكرى مجازر صبرا وشاتيلا الجريمة التي ارتكبتها إسرائيل وميليشيات لبنانية موالية لها بعمد وبتخطيط ورصد مسبق مع صمت دولى وتشجيع القوى الدولية الموالية للكيان الصهيونى، فمنذ 34 عاماً حولت إسرائيل مخيمي صبرا وشاتيلا الفلسطينيين في لبنان ساحات للقتل والاغتصاب وبقر البطون وسط برك الدماء وأشلاء وجماجم القتلى والمذبوحين بدم بارد من المدنيين الأبرياء.
وكانت المجزرة البداية الحقيقية لتلطيخ ثوب الضمير العالمي بدماء الشعوب العربية، كما كانت حدثاً كاشفاً للوجه الآخر للقوى الدولية التى بدت وكأن صمتها المريب موافقة ضمنية على نهج اسرائيل الدموى لإراقة الدم العربي الفلسطيني، بعدما تخطت المجزرة جميع القيم العالمية والمسميات لجرائم الإبادة الجماعية.

- أحداث المجزرة:
نفذت المجزرة في مخيمي صبرا وشاتيلا لللاجئين الفلسطينيين في الصباح الباكر 16 سبتمبر 1982، واستمرت لمدة ثلاثة أيام على يد المجموعات الانعزالية اللبنانية المتمثلة فى حزب الكتائب اللبناني وجيش لبنان الجنوبي والجيش الإسرائيلي، حيث كان المخيم مطوَّقًا بالكامل فى ذلك الوقت من قبل جيش لبنان الجنوبي والجيش الإسرائيلي الذي كان تحت قيادة ارئيل شارون وزير الدفاع الاسرائيلى آنذاك ورفائيل إيتان رئيس أركان الحرب الاسرائيلى وقتها، أما قيادة القوات المرتكبة للجريمة فكانت تحت إمرة المدعو إيلي حبيقة المسؤول الكتائبي المتنفذ، وقامت القوات الانعزالية بالدخول إلى المخيم وبدأت بدم بارد تنفيذ المجزرة التي هزت العالم ودونما رحمة وبعيدا عن الإعلام، واستخدمت الأسلحة البيضاء والحربية في عمليات التصفية لسكان المخيم العُزَّل، وكانت مهمة الجيش الإسرائيلي محاصرة المخيم وإنارته ليلاً بالقنابل المضيئة، ومنع هرب أي شخص وعزل المخيَّمَيْن عن العالم، و بهذا تسهل إسرائيل المهمة على القوّات اللبنانية الانعزالية، وتقتل الأبرياء الفلسطينيين دون خسارة رصاصة واحدة، و بوحشية لم يشهد العالم نظيرًا لها منذ مئات السنين.
تفاصيل الجريمة بدأت عندما صدر القرار برئاسة رفائيل ايتان وآرييل شارون، فدخلت إلى المخيم ثلاث فرق كل منها يتكون من خمسين مسلح بداعى وجود 1500 مسلح فلسطيني داخل المخيم، وقامت المجموعات المارونية اللبنانية بالإطباق على سكان المخيم وأخذوا يقتلون المدنيين قتلاً بلا هوادة، أطفالٌ في سن الثالثة والرابعة وُجدوا غرقى في دمائهم، حوامل بقرت بُطونهن ونساء تم إغتصابهن قبل قتلهن، رجال وشيوخ ذُبحوا وقُتلوا، وكل من حاول الهرب كان القتل مصيره، واستمرت حتى 48 ساعة من القتل المستمر وسماء المخيم مغطاة بنيران القنابل المضيئة، وبعد ان امتلأت الشوارع بالجثث دخلت الجرافات الاسرائيلية لجرف وهدم المنازل بالمنطقة لإخفاء الجريمة الشنعاء.
فى الوقت ذاته، أحكمت الآليات الإسرائيلة إغلاقَ كل مداخل النجاة إلى المخيم فلم يُسمح للصحفيين ولا وكالات الأنباء بالدخول إلا بعد انتهاء المجزرة حين استفاق العالم على مذبحة من أبشع المذابح في تاريخ البشرية، لم يُعرف تحديد أعداد قتلاها حتى الآن رغم أن التقديرات تشير إلى حوالى 4 – 5 آلاف شهيد من الرجال والأطفال والنساء والشيوخ المدنيين العزل من السلاح.

- تصفية جماعية:
لا يوجد تلاؤم بين تقارير القتلى والأعداد الحقيقية حيث الفرق شاسعا بين المعطيات الواردة في كل منها، فمثلا يذكر الصليب الأحمر أن تعداد الجثث التي عثر عليها 328 جثة؛ لكن لجنة التحقيق الإسرائيلية برئاسة إسحاق كاهان تلقت وثائق تشير إلى تواجد 460 جثة في موقع المذبحة فقط؛ لكن في تقريرها النهائي استنتجت لجنة التحقيق الإسرائيلية من مصادر لبنانية وإسرائيلية أن عدد القتلى بلغ ما بين 700 و 800 نسمة.
وفي تقرير إخباري لهيئة الإذاعة البريطانية أشير إلى 800 قتيل، بينما قدرت بيان نويهض الحوت في كتابها "صبرا وشتيلا - سبتمبر 1982" عدد القتلى ب1300 نسمة على الأقل حسب مقارنة بين 17 قائمة تفصل أسماء الضحايا ومصادر أخرى.
وأفاد الصحافي البريطاني روبرت فيسك أن أحد ضباط الميليشيا المارونية قال إن أفراد الميليشيا قتلوا من الفلسطينيين فقط 2000 بجانب أعداد كبيرة من اللبنانيين والعرب، أما الصحافي الإسرائيلي الفرنسي أمنون كابليوك فقال في كتابه عن المذبحة أن الصليب الأحمر جمع 3000 جثة بينما جمع أفراد الميليشيا 2000 جثة إضافية، مما يشير إلى أن الجريمة نتج عنها 5000 شهيد أعزل على الأقل.

- الهدف من المجزرة:
استهدفت آلة الفتك الإسرائيلية الهمجية من هذه المجزرة بث الرعب في نفوس الفلسطينيين لدفعهم إلى الهجرة خارج لبنان، وتأجيج الفتن الداخلية واستكمال الضربات التي وجهها الاجتياح الصهيوني عام 1982 للوجود الفلسطيني في لبنان وتحريض الفلسطينيين على قيادتهم بذريعة أنها غادرت لبنان وتركتهم دون حماية كافية.
ويمكن القول إ إسرائيل نفذت المجزرة انتقاما من الفلسطينيين الذين صمدوا في مواجهة آلة الحرب الصهيونية طيلة ثلاثة أشهر من الحصار الذي انتهى بضمانات دولية بحماية سكان المخيمات العزل بعد خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت، لكن الدول الضامنة لم تف بالتزاماتها وتركت الأبرياء يواجهون مصيرهم.

- إسرائيل تقتل وتتجمل:
كعادتها دائماً حاولت إسرائيل أن تظهر بمظهر الوداعة بعدما عبست شعوب العالم من الدماء التى أريقت فاستخدمت طريقتها وأجهزتها ومسئوليها للتحقيق فى المجزرة مع عدم إدانتها، فأمرت الحكومة الاسرائيلية فى الأول من نوفمبر 1982 المحكمة العليا فى إسرائيل بتشكيل لجنة تحقيق خاصة وقرر رئيس المحكمة العليا إسحاق كاهان أن يرأس اللجنة بنفسه حيث سميت "لجنة كاهان"، وفي 7 فبراير 1983 أعلنت اللجنة نتائج البحث وقررت أن وزير الدفاع الإسرائيلي أريئل شارون يحمل مسؤولية مباشرة عن المذبحة إذ تجاهل إمكانية وقوعها ولم يسع للحيلولة دونها، كذلك انتقدت اللجنة رئيس الوزراء مناحيم بيجن ووزير الخارجية إسحاق شامير ورئيس أركان الجيش رفائيل ايتان وقادة المخابرات قائلة إنهم لم يقوموا بما يكفي للحيلولة دون المذبحة أو لإيقافها حينما بدأت.

ورفض أريئيل شارون قرار اللجنة ولكنه استقال من منصب وزير الدفاع عندما تكثفت الضغوط عليه إلا انه بعد ذلك تم انتخابه رئيسا للحكومة وقام بمجازر أخري في الأراضي الفلسطينية ولم يتم محاكمته رغم ثبوت التهم عليه.
وعلى الجانب الآخر لم تتوقف المحاولات الفلسطينية والحقوقية لتصعيد قضية مجزرة صبرا وشاتيلا عاما بعد عام مع حلول ذكراها السنوية دون حساب مرتكبيها حتى أن مصادر ولجان فلسطينية طالبت بمحاكمات دولية عادلة حول تلك المجزرة والدفاع عن حقوق الضحايا الذين بلغوا الآلاف من سكان المخيمين لكن الصهاينة تعمدوا إخفاء وثائق هذه الجريمة وطمس مناطق المذبحة وإلى اليوم لم يقدم المجرمون إلى العدالة أو يتم تحقق عادل في هذه الجرائم البشعة.

- انتهاكات لم تكشف:
بعيداً عن الجرائم السياسية والأمنية والأخلاقية والإنسانية فى المذبحة، كان هناك عدة انتهاكات وخروق لقيم تغنى بأهميتها المجتمع الدولى كثيرا وهدد بانتهاكاتها، وبالتالى كان التعرض لها يستوجب تحركاً من كل منظمات النظام العالمى وكل المؤسسات الحقوقية العالمية ومنها:
الانتهاكات الإعلامية: أثناء ارتكاب حصار المخيمين في لبنان على يد الجيش الإسرائيلي بالتعاون مع حزب الكتائب اللبناني صدرت قرارات بفرض تعتيم إعلامي وصحفي يصل لدرجة التعدي والعنف ضد كل من تسول له نفسه من المراسلين ووكالات الأنباء والصحفيين التسلسل لتغطية ما يدور بهذه المنطقة أو تصوير ما يحدث لتكون المذبحة كالجريمة الكاملة بلا محاسبة ورغم ذلك كانت هناك بعض التسريبات المحدودة لكن في نظر الصهاينة الأهم بالنسبة لهم يتمثل في استمرار مذابحهم بلا حساب أو عقاب.
انتهاكات ضد الأطفال: مع دخول ثلاث فرق إلى المخيمين قامت المجموعات اللبنانية المسلحة بممارسات لا إنسانية ولا أخلاقية ضد السكان حيث ركزوا على قتل الأطفال بلا هوادة خاصة الرضع وتمزيقهم، كما عثر على أشلاء أطفال في سن الثالثة والرابعة غرقى في دمائهم.
انتهاكات ضد المرأة: المجموعات والميليشيات المدعومة من إسرائيل انتهكت حرمات النساء فى المخيمين، فقامت بشق بطون الحوامل، بلك وتناوبت اغتصاب النساء عدة مرات ينتهى بقتل المرأة المغتصبة، ثم ذبح رجالهن من شباب وشيوخ بعد إذلالهم.
انتهاكات حرمة الموتى: تعمدت قوات الاحتلال التمثيل بالجثث والجماجم والأعضاء البشرية الخاصة بالشهداء بلا أي أخلاق أو ضمير، ثم حاولت إخفاء معالم الجثث وتجريف الأرض بها وردمها بالتراب للتقليل من أعدادها الكبيرة في التقارير.

- وثائق المذبحة:
رغم مرور ثلاثة عقود على مجزرة صبرا وشاتيلا ما زالت إسرائيل تتحفظ على وثائقها وترفض طلبات الباحثين والصحفيين بالاطلاع على أرشيفها ويتفق عدد من الباحثين على أن التحفظ مرتبط بحقيقة تورط إسرائيل بالمجزرة وبالأهداف غير المعلنة لاجتياح لبنان، لأن إسرائيل بتحفظها على الوثائق تهدف للتكتم على جريمتها وتحاشي إحراج الولايات المتحدة التي كانت هي الأخرى تعلم بها ولم تسارع لوقفها رغم تعهدها وحكومة لبنان بالمحافظة على المدنيين الفلسطينيين قبيل خروج المقاومة من بيروت.
وكشفت صحيفة نيويورك تايمز في تحقيق خاص أن واشنطن كانت على علم بالمجزرة، ونسبت وثائق خاصة بوزارة الخارجية الأميركية تأكيدها أن السفير الأميركي في بيروت أبلغ إسرائيل بالمجزرة حينئذ، لكنها اكتفت برد إسرائيل بأن هناك عمليات تطهير للمخيمين من المخربين.
وتحتفظ إسرائيل بمجموعتين من الوثائق السرية الخاصة بصبرا وشاتيلا في أرشيف الجيش وأرشيف لجنة "كاهان" التي حققت في المجزرة، وخلصت إلى براءة الجيش من المجزرة لكنها انتقدت قيادته التي لم تتحرك لمنعها رغم علمها بها مبكرا.
ومن جهته يرجح المحلل أمير أورن أن التحفظ ينبع من الرغبة في عدم الكشف عن الدوافع الحقيقية للحرب على لبنان والتي كانت تهدف لإرغام القوات السورية على الانسحاب وتشكيل حكومة لبنانية تقبل بإملاءات إسرائيل.

- آراء:
وبدوره يؤكد المحلل والخبير يوسي مليمان أن منع النشر في تلك المذابح يرتبط بمدى مسؤولية إسرائيل عما حدث إضافة للأهداف الحقيقية وينوه لما تضمنه كتابه الجديد "حرب الظلال" الذي يكشف فيه أن إسرائيل خططت لترهيب الفلسطينيين وإجلائهم من لبنان إلى الأردن لتسريع تحويله لدولة فلسطينية ومنع قيامها في الأرض المحتلة عام 1967، ولا يستبعد المؤرخ الفلسطيني مصطفى كبها ذلك ويرجح أيضا أن التحفظ على الوثائق مرده إخفاء تورط إسرائيلي مباشر في المذبحة، كما يشير إلى أن مقتل الرئيس اللبناني بشير الجميل تسبب في انهيار مخططات إسرائيل بلبنان مما دفعها للانتقام مع الكتائب من الفلسطينيين.
يقول الكاتب الصحفي الفلسطيني ياسر علي إن العالم كله يعلم أن من نفذ مجزرة صبرا وشاتيلا هي مجموعة كبيرة من اليمين اللبناني بإشراف إسرائيلي مباشر والتي أمنت لهم الوضع وأغلقت محيط المخيمين بل شاركت فيها في بعض الأماكن بحسب شهود عيان . وأضاف أن الكثير من شهود العيان أكدوا أنهم شاهدوا وزير الدفاع الإسرائيلي وقتها أرييل شارون وهو يشرف شخصيا على العملية في منطقة السفارة الكويتية بل إن التحقيقات الإسرائيلية أكدت ضلوعه في المجزرة . وأشار إلى أن إسرائيل شكلت لجان تحقيق محلية في عدد من المجازر التي ارتكبتها كمجزرة الخليل وكفر قاسم ومجزرة الأقصى حتى تسيطر على مسار التحقيقات وتحمي قادتها من المثول أمام المحاكم الدولية .
من جانبه أكد أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في باريس زياد ماجد أن المجزرة من أبشع المجازر التي وقعت خلال الحروب الأهلية اللبنانية ومع ذلك منح منفذوها العفو العام في انتهاك واضح للقانون، وأضاف أن الضغوط الأميركية والإسرائيلية أفشلت جميع محاولات محاكمة إسرائيل على جرائمها بحق الفلسطينيين أمام المحاكم الدولية حيث أجبرت بعض الدول الأوروبية على تغيير قوانينها لوقف محاكمة إسرائيل عن مذبحة صبرا وشاتيلا أمام القضاء النرويجي ومجزرة حي الدرج في غزة أمام القضاء الإسباني،
ورأى ماجد أن إفلات المجرمين من العقاب ساهم في تكرار المجازر مع العالم العربي وهناك إثباتات كثيرة بشأن غالبية الجرائم والمجازر التي وقعت في العالم العربي لكن ما ينقص هو وجود إرادة سياسية دولية لمحاكمة مرتكبيها في ظل وجود إرادة دولية على استثناء منطقة الشرق الأوسط من العدالة بهدف حماية إسرائيل.

- الخلاصة:
يجب ألا ينسى العرب مجزرة صبرا وشاتيلا لأن نسيان المجازر وعنف اسرائيل يسهل من تزايد الهوان العربى، بل يجب أن يكون لكل حدث إحياء شعبى وجماهيرى مصحوباً بتحركات حقوقية لمحاسبة المسئولين عن المجازر، وكذلك قيام الفنانين بتجسيد المجازر فنياً، والإعلاميين بتوثيقها سواء بالكتابة الصحفية أو الأفلام الوثائقية.