[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
شجاعة بعض الصحافيين تبدو مغامرة مهما كانت محسوبة فخطرها كبير، خصوصا في سوريا، وتحديدا في مناطق تعرضت لهجمات من قبل المسلحين الإرهابيين تم خلاله قتل الأهالي وأسر من تبقى منهم أطفالا ورجالا ونساء. هذا ما رأيته في برنامج "من الأرض" الذي تقدمه قناة "الميادين" وتقوم معدة ومنفذة البرنامج أوغاريت دندش بتلك المغامرة، مما يقدم لنا معلومات ليس بالإمكان الحصول عليها من أي مصدر آخر.
يكشف البرنامج هذا، حياة الأهالي أثناء تعرضهم للاجتياح من قبل المسلحين، والوحشية التي مورست عليهم، حيث يكشف أحدهم كيف كانت الرؤوس مقطعة، سواء لرجال ونساء طاعنين في السن، أو لشباب وأطفال، ثم كيف تسبى الأطفال وتؤخذ كرهائن، بعضهم مقابل أموال كما كشف أب تعرض أولاده للخطف فطلب منه الخاطفون مبلغ أربعة ملايين ليرة سورية لم يتمكن من دفعها ..
وهذا البرنامج يكشف أيضا تلك القرى الصغيرة التي كانت حياة أهاليها هانئة هادئة وادعة، إلى أن جاء الأوباش المتفلتون من كل أخلاق وقيم ليعيثوا فسادا فيها .. وفي هذا الريف الجميل المكلل بالأشجار الباسقة، القابع وسط مساحات من التضاريس الجميلة، عاش الإنسان السوري في كل العصور والأوقات والمتغيرات السياسية وهو يكاد لا يشعر بأي منها، حياته الطبيعية، وغناه الأرض، ونعمته الهدوء الزائد عن هدوئه، وكانت اللقمة النقية مصدر عيش اليوميات المليئة بالخير المتوافر.
لم يكن ولا حتى في حلم أهالي تلك القرى البريئة أن يأتي هذا اليوم العنيف بتوحش المتوحشين ليحصد هناءة عيش عمره تقريبا من عمرها، فتضطر مثلا كما ذكر في البرنامج، إحدى الأطفال وهي في السادسة من عمرها أن تهرب من بيت أهلها عند مجيء المتوحشين لتهيم على وجهها ركضا باتجاهات مختلفة ولتبقى مختبئة في أماكن عدة مدة أحد عشر يوما بدون طعام وشراب وهي حافية القدمين إلى أن وصلت إلى مكان الجيش العربي السوري الذي أدخلها فورا إلى المستشفى بعد إصابتها بإعياء قاسٍ.
هذا ما سمعته من البرنامج، وفي تقديري أن هنالك آلافا من القصص المشابهة التي يندى لها جبين الإنسانية لما تعرضت له من توحش، ففي تلك القرى النائية وحتى في المدن التي دخلها الوحوش ظلت القصص المروعة مخبأة في صدور من نجوا وشاهدوها بأم العين، ومن المؤكد أن الأطفال الذين هم في عمر صغير لن يستطيعوا ترجمة المشاهد تلك إلا بالصرخات والبكاء والعويل، فكيف كان حال مثلا ابن السنة ونصف الذي خطفه أحد المسلحين من أهله، بل ما ذنبه حين وجد ميتا في أحد الحقول.
ما تعرض له الشعب السوري من قبل الآلة الوحشية الضخمة التي عملت فتكا به عميق ومخيف، وهي جرائم ضد الإنسانية في أقصى حالاتها. ولأن الكيدية العربية لا ترى إلا ذاتها، لن ترى بالمقابل تلك الآلام والعذابات التي لحقت به، إضافة إلى العقل البارد للأميركي الذي بلغ كل المقاييس في تكسير المجتمعات وتحطيم آمال الشعوب وفي طليعتهم الشعب السوري اليوم.
البرنامج المذكور لم يكن يبالغ، كانت الصورة تحكي آلاما مجمعة إن في من عاشوها، أو ما قدمته من عمليات تدمير .. فطوبى لكل أولئك المعذبين الذين لم ينتبه لهم العالم بعد والذين هم صرخة مدوية في عقله وقلبه.