ارتفاع وتيرة التهويد المتسارع، واشتداد القمع الباطش، وفظاعات هذه المقتلة اليومية على الحواجز، هي ليست بالأقل من نكبة دائمة، لكنما ليس من شأنها أن تفت في عضد شعب مناضل مؤمن بحقه في التحرر ودحر الغزاة المستعمرين، ويدرك أن لا خيار له إلا مواجهة عدو لئيم يستهدف وجوده الوطني بشقيه المادي والمعنوي، وبعد هذا كله يأتي تهافت الانهزاميتين الأوسلوستانية والعربية، وتعاون الأولى أمنيًّا مع المحتلين والثانية تآمريًّا وتصفويًّا معهم، ليزيدن شائنهما من اقتراب موضوعي لحظة انفجار شعبي بات يلوح...
‏[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/abdellatifmhna.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عبداللطيف مهنا كاتب فلسطيني [/author]
سمتان لازمتا الاحتلال الصهيوني في الضفة الغربية، لكنهما في هذه المرحلة بلغتا حدًّا ما، مغالاة في التصعيد لا سابق له. إنهما التهويد والقمع المتعدد الأوجه وذو التفنن في ابتداع المستجد في قسوته. بالنسبة للتهويد فقراراته تترى كعادتها ولا تتوقف في ابتلاع ما لم يبتلع بعد، وهضم ما لم يفرغوا من هضمه مما ابتلعوه من أراضٍ أو معالم عربية. آخره حي تهويدي في قلب الخليل، هذه المدينة التي ما فتئت مجموعة مستعمرات "غوش عتصيون" تقضم جنباتها هي وبيت لحم شمالًا، ويتم قنص الخليليين يوميًّا على الحواجز المنتشرة على مداخل مدينتهم وحول هذه المستعمرات وعلى الطرق المارة قريبًا منها، ناهيك عن بلوى الأربعمئة مستعمر المزروعين على مقربة من الحرم الإبراهيمي داخل أحشاء المدينة والجيش الذي يحرسهم، والذين ينغِّصون حياة المواطنين من ساكنين على مقربة من حرمهم أو مصلين قادمين إليه. هذا بالنسبة للخليل، وطرحناه كمثال، ونتجاوز الحال في القدس لأنه لم يعد الكلام عما يهوِّدونه فيها، بل عما لم يهوِّدونه بعد منها، وحتى متى سوف يهوِّدون أقصاها، أو يهدمونه ويبنون هيكلهم المزعوم مكانه؟!
بالنسبة للقمع، أصبحت رياضة قنص أرواح الفلسطينيين على الحواجز العسكرية رياضة صهيونية رائجة، إذ يكفي لجندي، أو مستعمر، أن يطلق النار إذا ما راق له ذلك على مطلق شاب أو شابة فلسطينية، وحتى طفلة، كما حدث في طول كرم قبل أيام، فيردي ضحيته قتيلًا، أو جريحًا يُمنع إسعافه ويُترك ينزف حتى الموت، وكل ما عليه هو أن يلقي إلى جانب ذبيحته سكينا، ويزعم دونما أن يخشى من يسأله ولا من يلومه: إنه حاول، أو هي حاولت، طعني، أو شككت أن في نيته، أو نيتها، ذلك، أو يطلق النار على سيارة مارة يستقلها فلسطيني وخطيبته بدعوى أنها قادمة لدهسه، أو هو خمَّن ذلك، كما حث مؤخرًا في الخليل. أما المداهمات والاعتقالات والملاحقات والإغلاقات وهدم البيوت، وسبل التجويع، لدرجة إجبار المقدسيين، على سبيل المثال، على إقفال متاجرهم للتضييق عليهم، وسد سبل الرزق في وجوههم، وكعقاب جماعي لهم، فهي من الأمور التي حدِّث عنها ولا حرج... وكله عندهم ليس بكاف، فها هو الوزير أوري أريئيل يطالب زميله وزير الحرب ليبرمان بالإيفاء بوعد كان قد قطعه وهو سن قانون يتيح إعدام الأسرى الفلسطينيين "لمنع تنفيذ صفقات تبادل أسرى في المستقبل كصفقة الجندي جلعاد شاليط".
بالمقابل، ووفق حالة موضوعية لا يمكن أن تحكمها إلا معادلة ما دام هناك احتلال فحتام تكون مقاومته، لم تتوقف ولن تتوقف ولسوف تستمر مواجهة الفلسطينيين للمحتلين. الانتفاضة التي تقترب من ذكرى عامها الأول، أو كما يحلو للبعض تسميتها بالهبَّة، أو سموها ما شئتم، مستمرة، وهي كما قلنا في مرات عديدة إن خفت أوارها لا تخبو نارها وإنما لتعاود اشتعالًا. هذه الأيام أثبتت هذا، وكذَّبت ما حاول الأعداء تصويره بأنها كانت في الأشهر الأخيرة سائرة إلى الخبو، الأمر الذي أُسقط في أيديهم. ها هي صحيفة "يديعوت أحرونوت" تقول: "ينبغي الإقرار بالواقع، لا أحد في المؤسسة الأمنية يمكن أن يشرح لنا لماذا اندلعت في نهاية الأسبوع الماضي بالذات موجة من خمس عمليات متواصلة في مناطق مختلفة، ولكننا مرة أخرى تلقينا تذكيرًا بحقيقة أن الهدوء في الضفة مؤخرًا هدوء وهمي، تحت لهيب لجيل شاب مستعد لأن يخرج لعمليات تضحية...العمليات الأخيرة هي طرف الجبل الجليدي". أما "معاريف" فتجزم بأن "الوهم تبدد...والهبَّة تعود وعلى الأرجح تتعاظم".
ارتفاع وتيرة التهويد المتسارع، واشتداد القمع الباطش، وفظاعات هذه المقتلة اليومية على الحواجز، هي ليست بالأقل من نكبة دائمة، لكنما ليس من شأنها أن تفت في عضد شعب مناضل مؤمن بحقه في التحرر ودحر الغزاة المستعمرين، ويدرك أن لا خيار له إلا مواجهة عدو لئيم يستهدف وجوده الوطني بشقيه المادي والمعنوي، وبعد هذا كله يأتي تهافت الانهزاميتين الأوسلوستانية والعربية، وتعاون الأولى أمنيًّا مع المحتلين والثانية تآمريًّا وتصفويًّا معهم، ليزيدن شائنهما من اقتراب موضوعي لحظة انفجار شعبي بات يلوح ومع الأحداث الأخيرة أصبح بالإمكان تخيله قادمًا بلا ريب، إذ بلغ السيل الزبى، ولم تعد المسكنات الإيهامية البائسة تنطلي على أحد، أو يُلقى إليه بالًا في الشارع الفلسطيني، الذي يزيد تهافت المتهافتين من احتقانه احتقانًا... ومنه ما أورده واصل يوسف عضو لجنة تنفيذية المرحومة المنظمة حين لخص أهداف رحلة أبو مازن الأممية بأمرين: الشرح الذي يصفه بالوافي "لآخر تطورات الملف الفلسطيني"، و"المطالبة بدعم مؤتمر باريس الدولي" المأمول، وفقط أوسلوستانيًّا وفرنسيًّا لا غير...لكن الأهم في كل ما أورده واصل يوسف هو فيما قال بأن أبا مازن سوف لن يطرحه...وما هو؟!
إنه المزمع المعلن سابقًا، وهو "الطلب الخاص لمجلس الأمن بإدانة الاستيطان"... أما لماذا لن يطرح؟! فالاتفاق سابق مع جامعة الدول العربية، قال إنه تم "بالتنسيق مع اللجنة الرباعية العربية"، ويقضي بأن يترك لهذه المصونة خيار "تحديد الوقت المناسب لطرح الفلسطينيين لهذا الطلب"، وذلك "على ضوء ما سوف تجريه من المشاورات اللازمة"...بمعنى أن المسألة برمتها قد أُجِّلت استجابةً لنصيحة كان الأوسلويون قد تلقوها، كما هو معروف، من أبو الغيط تدعوهم "لإتقان" خطوة توجُّههم للأمم المتحدة!!!