[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
فاجأنا رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أثناء خطابه في الأمم المتحدة بموقف يتجاوز كل افكاره التي نعرفها، وهو تحميل بريطانيا مسؤولية النكبة الفلسطينية وكل العذابات التي تعرض لها الشعب الفلسطيني نتيجة ذلك، مطالبا اياها بالاعتذار لشعب فلسطين.
موقف متأخر لكنه كان يجب ان يصدر عن اعلى سلطة فلسطينية باعتبار ان بقية المنظمات الفلسطينية قالت كلاما من هذا القبيل في ازمنة سابقة دون جدوى .. فلا بريطانيا جاهزة لهذا المطلب ولا هي بوارد ان تفعله، رغم معرفة من تعاقبوا عليها انهم يتحملون كل آثار الجريمة التي أحاقت بالشعب الفلسطيني ورمته في اللجوء بعدما خسر وطنه وصار بلا هوية.
لا اذكر مثلا ان ياسر عرفات طرح هذا المطلب عندما كان رقما صعبا ذات يوم .. واذ يقال من مسؤول فلسطيني يمكن تسميته بالمحافظ نتيجة سياسته الكلاسيكية التي تؤمن بالحلول الوسطية، فهو امر يدعو للاستغراب، لكنه في محله ولو جاء متأخرا، فبريطانيا تتجمل مسؤولية النكبة، ومنذ ان اعلن ابرز قيادييها بلفور وعده باقامة وطن لليهود، فهو يتحمل فتح الباب امام الجريمة بكل مفاعيلها التي حصلت لاحقا.
أما اعتذار بريطانيا الذي شدد عليه عباس فهو لن يقدم ولن يؤخر، سوى أن حصوله قد يعني ترميم حالة نفسية لدى الفلسطينيين، لكنه عند البريطاني شأن خطير لايريد ان يتحمل تبعاته بعد كل تلك السنين، خصوصا وان مئة سنة تقريبا مرت على وعد بلفور، وأكثر من ستين سنة هي عمر النكبة أو التطهير العراقي كما يسميه المؤرخ اليهودي ايلان بابه.
منذ سنوات على ما أذكر، جاء الى بعض البلاد العربية التي عاشت الحروب الصليبية احفاد احفادها كي يقدموا اعتذارا عما فعلته تلك الحروب بأبناء المنطقة وبها، وبالخراب الذي اقامته وبالقتل الفظيع الذي حصل على يد ابناء اوروبا الذين جاءوا باسم الصليب لكن حلمهم بكنوز الشرق كان طاغيا على كل تفكير آخر. لم يؤد الاعتذار الذي قدموه الى طي صفحات مظلمة من تاريخ اسود، لكن الشرق ظل عبر تاريخه عنوانا لنهب غزوات باشكال متعددة، وما المتغيرات التي عرفتها المنطقة بالتالي سوى تعبير عن ردود افعال ابناء المنطقة في الانتقال من مكان خطر الى آخر آمن وهكذا.
في كل الاحوال تبدو مطالبة الرئيس عباس للبريطانيين من احفاد بلفور وابناء من عرفوا مفاعيل ذلك الوعد، بل الاتفاق السري بين بريطانيا واليهود على تسليمهم فلسطين ليعبثوا فيها كما حصل تماما ، ثم ليتسلموها بعد طرد اهلها ورميهم في اصقاع الارض في اكبر مؤامرة تعرض لها انسان في هذا العالم، وما زالت القضية الفلسطينية الى اليوم محور الاهتمام الفلسطيني وعودته الى ارضه التي حرم منه، بل ان النكبة الولادة انتجت ازمات خطيرة في عالمنا العربي نعيش ابرزها اليوم، وبكل الاخطار على مستقبل اقطارها وانسانها.
وتكرارا ، جاءت مطالبة الرئيس عباس متأخرة، لكنه كلام شجاع في وجه دولة تتحمل مسؤولية كبرى في ماآل اليه حال شعب فلسطين . . لكننا نعرف غرور بريطانيا كدولة كبرى رغم انها انحدرت الى مصاف اقل بكثير ، وهو مالن يدفعها الى الاعتذار المتأخر الذي ترى فيه ادانة مباشرة مازالت حتى الآن لاتعترف بجريمتها التي نفذتها عن سابق إصرار وتعمد .