[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
لم يعد المشهد العربي بحاجة إلى عناء جهد والمزيد من التحليل والاستنباط لفك شفرات أحداثه الكارثية المرعبة أو حتى الوصول إلى الإجابات عن الأسئلة المستعصية على الفهم، فالأحداث تثبت يومًا بعد يوم حقيقة وكنه المؤامرة التي تتعرض لها المنطقة، وكيف طوَّعت القوى الامبريالية الاستعمارية الغربية المتحالفة مع بعض القوى الظلامية والرجعية ـ الإقليمية منها والعربية ـ الإرهاب الأسود خنجرًا مسمومًا في خاصرة الأمة العربية، وجعلت من أدوات إجرامه ليس فقط بمثابة عدوى متنقلة تتبادل الخبرات والتجارب المميتة، وتسفح الدماء البريئة على مذابح الأطماع الامبريالية والاستعمارية، وتحول شوارع وأزقة العرب إلى ساحات دمار وخراب وفتن، حتى تتحول الفواجع مع مرور الوقت إلى خبر عادي لا يستثني دولة عربية، وإنما أصبحت أدوات الإرهاب والإجرام بوصلة تؤشر لاتجاه تحرك القوى الامبريالية الاستعمارية المتأبطة الإرهاب وأدواته نحو الهدف المراد.
لا بد إذن من وقفة تأمل حقيقية أمام عمليات التحريض والتشويه التي أطلقها المدعو أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي ضد كل من الجيش المصري والرئيس الفلسطيني محمود عباس وحركة فتح، وذلك من خلال المقابلة الصوتية التي تولى نقلها بعض القنوات والصحف والمواقع الإلكترونية، والتي من الواضح أن الظواهري أراد أن يرسل رسائل توجيه مهمة للخلايا الإرهابية التابعة للتنظيم وتلك التي تحت رايته تعيث فسادًا وإهلاكًا للحرث والنسل في أكثر من قطر عربي.
في ظل مؤامرة ما سمي بـ"الربيع العربي" وانكشاف حقائقها وبدء تساقط أوراقها بأن حبائلها نُسِجت لإعادة رسم خريطة المنطقة وتنصيب كيان الاحتلال الصهيوني شرطيًّا عليها وفق المشروع الصهيو ـ أميركي الذي يستهدف كذلك تصفية القضية الفلسطينية، لا تزال مصر العروبة والسلطة الفلسطينية ـ رغم ما قيل ويقال عن قيادة السلطة ورئيسها أبو مازن شخصيًّا ـ تشكلان تحديًا حقيقيًّا أمام اكتمال المؤامرة، فالقاهرة إلى جانب دمشق أعاقت المشروع الصهيو ـ أميركي الممتد من تونس والمغرب وليبيا والذي أريد له أن يكون له وجه واحد وهوية واحدة، فالتسميات المقترنة بالإسلام قد تتعدد وتختلف، لكنها تلتقي جميعًا في الهدف مع حلفائها الداعمين. أما السلطة الفلسطينية بمواقفها السابقة والحالية فقد قطعت الطريق على المتآمرين لتصفية القضية وذلك برفضها الاعتراف بما يسمى "يهودية" كيان الاحتلال الصهيوني، والتنازل عن الثوابت الفلسطينية الأخرى، ورفضها مد أمد المفاوضات الجارية حتى نهاية الشهر الحالي.
ولذلك فإن "التحريض القاعدي" ضد الجيش المصري لدوره في مساندة الثورة الشعبية في الثلاثين من يونيو، وضد شخص الرئيس عباس وحركة فتح، جاء متناغمًا تمامًا مع حالة الحنق والحقد والغيظ التي تكاد تميز بها قلوب ذوي المشاريع الاستعمارية في المنطقة، ومعبرًا عن العلاقة التاريخية بين تنظيم القاعدة الإرهابي والقوى الامبريالية الغربية لكونه صناعتها التي أوجدتها لتعبيد الطرق نحو إسقاط الدول ونهب ثرواتها وتفتيتها وزرع بذور الإرهاب والفوضى فيها على النحو الذي رآه الجميع من أدوار قام بها تنظيم القاعدة الإرهابي في تعبيد طرق الاستعمار والإرهاب والفوضى والتدمير في أفغانستان ثم العراق والآن في ليبيا وسوريا ولبنان وتونس واليمن، وجارٍ تهيئة مسرح الأحداث في مصر ليأخذ الوضع الإرهابي ذاته القائم في سوريا والعراق وذلك بحكم النضال التاريخي وحجم التضحيات الكبيرة لجيوش هذه الدول الثلاث "مصر، سوريا، العراق" من أجل الذود عن شرف هذه الأمة وكرامتها.
لقد مثل ولا يزال تدمير جيوش الدول العربية وخاصة الجيش المصري والجيش السوري والجيش العراقي التي أكدت عظمة هذه الأمة وعزتها ورفضها الخنوع والذل، هدفًا مشتركًا لإسرائيل وللقوى الاستعمارية الامبريالية الغربية وأذرعها من الجماعات والتنظيمات الإرهابية، لما تمثله هذه الجيوش من دور في كسر إرادة المتآمرين وإحباط مشاريعهم، فهي الضامنة لأمن دولها واستقرارها والصائنة لسيادتها، وبالتالي فإن تهشيم هذه الجيوش وإنهاكها ترى فيه القوى المتآمرة بمثابة مصباح علاء الدين الذي سيحقق لها أحلامها ومطامعها في نهب الثروات واستنزاف المقدرات والطاقات والتقسيم والتفتيت ونشر الإرهاب والفوضى، ونصب كراسي سلطة على جثث شعوبها لإقعاد شلة من العملاء واللصوص والمرتزقة عليها.
إذًا، دعوة الظواهري العصابات الإرهابية في سوريا إلى عدم الاقتتال فيما بينها، والتحريض ضد الجيش المصري ومباركته أي عملية تستهدف عناصر من الجيش ضباطًا أو جنودًا، هو إشارة صريحة إلى إدخال مصر على خط ضحايا الإرهاب بصورة تتجاوز الوضع الحالي بعملية إرهابية صغيرة هنا وأخرى هناك، وكذلك هو إشارة إلى بدء تحريك بعض الخلايا الإرهابية من سوريا وتشجيع المتعاطفين مع جماعة الإخوان المسلمين على القيام بعمليات إرهابية ضد الجيش المصري. فهذه الدعوة تذكرنا ببدايات الأزمة السورية حين دعا أيمن الظواهري تنظيمه الإرهابي وجميع الناس إلى دعم الفوضى والإرهاب ضد الحكومة السورية والتي نتج عنها ظهور عصابات إرهابية يفوق عدد عناصرها ربع مليون إرهابي ـ حسب التقارير الدولية ـ نتيجة عملية الجلب والتجنيد للإرهابيين والتكفيريين والمرتزقة من أنحاء العالم، مع عدم إغفال أن من بين الأسباب المؤدية إلى معاقبة الجيش المصري صهيو ـ أميركيًّا هو إعادة علاقاته التاريخية مع روسيا الاتحادية، ولهذا ـ في تصوري ـ غير مستبعد أن يتم تحريك التنظيمات والخلايا الإرهابية بدعوة من الظواهري أو بدونها إلى روسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية التي افتعلها الغرب الامبريالي الاستعماري ضد روسيا لأدوارها الداعمة لكل من سوريا ومصر، حيث يطفو على السطح بين الحين والآخر عن إمكانية عودة خلايا إرهابية شيشانية وداغستانية من سوريا بعد أن تمرست على الإرهاب للقيام بعمليات إرهابية ضد روسيا.
على أن اللافت هنا هو أن "التحريض القاعدي" ضد الجيش المصري والسلطة الفلسطينية جاء بُعيْد الاتفاق الأمني الخليجي وإنهاء الخلافات بين عدد من دول مجلس التعاون، ما يضع علامات استفهام كثيرة.