[author image="http://alwatan.com/styles/images/opinion/abdalahabdelrazak.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج [/author]

ظهر واضحا على السطح وجود رؤيتين مختلفتين حول حجم وطبيعة المتغيرات والتحولات القيمية في بلادنا، رؤية تقلل من حجم ومساحة المتغير والمستجد، وتقول بصوت مرتفع،، قيمنا لا تزال بخير، وان هناك نسبة بسيطة من جيل الشباب تأثرت بالانفتاح الخارجي .. ،، والآخر، يدق ناقوس الخطر من وقع مشاهداته الحياتية لنماذج عديدة ومنتشرة ومتصاعدة، ومنها يدق الناقوس على الواقع وعلى المستقبل في آن واحد، إذن، أين الإشكالية في هذه القضية؟ طبعا في الرؤية، فالتقليل من المتغير وتأثيره المستقبلي تحت دوافع شكلية لا موضوعية، يدفع بالجهود إلى وضع حلول تفتقد للفعالية الآنية، والفاعلية الدافعة للحل الشمولي.
ومرد هذا الاختلاف إلى رؤية كل طرف للمتغير والتحول ليس من منظور علمي وإنما من منظور شخصي، والاختلاف قد لا يكون منبعه العامل السني رغم أن مشكلتنا مع الجيل القديم هنا، أنه يحاول تبسيط وتسطيح كبرى التحولات والمتغيرات، ورغم ذلك، فالقضية ليست قضية أجيال كما قد يبدو من ظاهرها، وإنما قضية الحكم بمزاعم ذاتية وفق رؤية جغرافية ضيقة للقضية ومدى الرؤية حتى في النطاق الجهوي طبعا في ظل غياب الدراسات والبحوث الاجتماعية، كيف؟ من تكون حركة نطاقه الحياتية في ثلاثة أماكن مقدسة بحكم عامل السن وثقل البعد الثيولوجي أو المركز الرسمي، لا يمكن أن تكون رؤيته سوى في شباب ملتزمين بأخلاقيات تتناغم وتنسجم مع تلك الأماكن وبقيم الضيافة العمانية الأصيلة، أما المطلعون على انتشار سلوكيات اللباس الغريب وتقليعات الشعر عند الشباب في المراكز التجارية وبعض الأماكن العامة في عدد من محافظات البلاد وليس شرطا أن يكون كلها، سوف يعتبرونها بالتأكيد ظاهرة مقلقة، تدعو بالحاج إلى تدخل الدولة العاجل، والمطلعون كذلك على انتشار المخدرات بما فيها القات والماواه والسويكة في الولايات ليس شرطا أن يكون كلها، سيبدأون القلق نفسه، فكيف لو علموا أن الدولة أنشأت في احدى الولايات مؤخرا وسوف تنشأ في ولايات أخرى مراكز لتأهيل المدمنين، فمن حقهم أن يبدو القلق المرتفع على مستقبل شبابنا من جهة والدعوة إلى عدم امتداد هذا الخطر إلى بقية المحافظات، وعندما يتحول معيار الحكم على الانسان من معيار اخلاقي وعلمي إلى معيار اقتصادي، فلا بد من اعلان القلق المرتفع على قيم المجتمع الأصيلة حتى لا تنتهي بانتهاء جيل دون آخر، فالنظرة للإنسان قد اصبحت تتمحور حول،، كم يساوي الانسان اقتصاديًّا،، فقط، وهذا توجه يبدو لنا مخيفا بسبب انتشاره وانتقاله من المجتمع المسقطي إلى مجتمعاتنا المحلية، ويؤطر قانونيا، بدليل تنزيل اصحاب المؤهلات درجات مالية عن السابق في النظام الجديد، فهذا التوجه قد تولد عنه قيم تتعارض مع قيمنا الأصيلة، مثل، الفردانية وقوة الأنانية، والطمع، وعدم الرضا، والرشوة و(...) ومعه اصبحوا يتفننون في كيفية التقرب لفلان بحكم قوته المالية أو مركزه الحكومي .. وهذا التحول، يدعو في حد ذاته إلى القلق من تعميمه وانتشاره بين الأجيال، لأنه يهدم قيم المواطنة وقيم الأمانة وقيم الشرف، وقيم القناعة والرضا والكرامة والعلم ..الخ فهل تلك النماذج وغيرها كثير تدعونا للقلق على القيم أم التقليل منها؟
والتساؤل الذي ينبغي أن يطرح هنا، هو هل تمكنت ندوة،، أفضل الممارسات المجتمعية العمانية،، التي اختتمت مؤخرا من ملامسة حجم (المشكلة /الظاهرة) ومن ثم التوصل إلى حلول لتطبيقها؟ وكيف سيتم تطبيقها؟ بصراحة، لم تخترق التوصيات حجم الوعي الاجتماعي المتعارف عليه، وذلك عندما دعت إلى الاعتدال وعدم الإسراف والتأكيد على دور الاعلام في تعزيز الهوية العمانية وتشجيع الجهات الحكومية والأهلية والخاصة على تنفيذ برامج وانشطة على مستوى المحافظات والولايات تعنى بأفضل الممارسات المجتمعية العمانية والحفاظ على الهوية والالتزام بأخلاقيات الذوق العام والزي العماني في الأماكن العامة والمؤسسات، بل المثير أن تتصدر التوصيات كما تابعناها صحفيا الدعوة إلى توظيف السبلة العمانية للقيام بدورها في المجتمع، وهذا يعني أن السبلة تشكل هاجسا مرتفعا ينبغي توجيهها نحو خدمة قضايا محددة، مما يعطي للإعلام الإلكتروني والوهمي أهمية أكبر من الإعلام الواقعي، ويوجه الرأي العام لهذه الوسيلة الاعلامية لكي تكون أكثر جماهيرية، فهل ستستطيع الدولة السيطرة على هذه الوسيلة الإعلامية الجماهيرية التي تحرك الرأي العام والحكومية بسبب قضاياها المثيرة وذات الحساسية السياسية، كنا نتأمل أن يكون الاختراق الذي يعزز نجاح الندوة في اربع مسائل مهمة، الاولى، اكتشاف دور الفاعلين الجدد الذين يمكن أن يؤثروا داخل مجتمعاتهم، ونعني بهم اعضاء المجالس البلدية،، وسابقة المجلس البلدي في محافظة ظفار التي قدمناها في مقالنا الأخير،، مجلس الدولة يفتح ملف القيم،، افضل استدلال على الفاعلين الجدد المؤثرين داخل مجتمعاتهم، خاصة بعد ما اعطاهم القانون الجديد حق اقتراح الأوامر المحلية واعتمادها من قبل اعلى سلطة ادارية في المحافظة، فهذه المجالس بإمكانها تحريك مجتمعاتها المحلية في قضايا التوعية وفي قضايا المبالغة في المهور والحد من مظاهر الزواج المكلفة، والثانية، اقتراح آليات محددة وفاعلة لتطبيق التوصيات حتى لا تكون اي التوصيات هي والعدم سواء، والثالثة، مباركة سياسية لاحقة أو سابقة لتوصياتها، وهذا ما لم نلمسه فيما نشر صحفيا، والا ، فأين القوة الإلزامية لتوصيات الندوة؟ طبعا، لن نجدها في المفردات التالية: الدعوة، والحث، والتشجيع .. وتدخل مجلس الدولة في هذه القضية المهمة وبالذات في التوقيت الزمني الراهن، يحمل إلى الاعتقاد بوجود فكر جديد قد يصاحب هذه الندوة وبعدها لكي تكون مختلفة عن سابقتها في البلاد، والرابعة، اعادة الاعتبار للقيمة الاقتصادية للمؤهلات العلمية،، شكلا ومضمونا،، لمواجهة الطغيان المالي المسيطر على العلاقات الفردية ـ الفردية، وعلاقة الفرد مع السلطة والذي بسببه أصبحت الأموال وبعض المناصب تدور وفق هذا المعيار، مع ضرورة التزامن مع توجه إعادة الاعتبار للمؤهلات العلمية، ترسيخ مبدأ المواطنة في ممارسة الحقوق والواجبات بحيث تصبح هي الضمانة لاستحقاق الحقوق والحريات، ودون هذه الاختراقات .. فإن الندوة ستكون مثل غيرها من الندوات التي سجلت نشاطا وفتحت الوعي لقضايا مهمة .. لكنه اي الوعي سرعان ما يغرق في نمطيته وتقليديته ..لأنه ليس هناك ما يعززه ويجعله مستداما وله نتائج حياتية، وهذه الأخيرة هي التي ينبغي أن تكون الشغل الشاغل لأية ندوة تعقد في البلاد، والا، فكم ندوات عقدت، فأين نتائجها؟ فلا عبرة لتوصيات ما لم يكن لها آليات عمل تنفيذية وقوة إلزام تطبيقية، والكرة لا تزال في ملعب مجلس الدولة الذي نقترح عليه الدعوة إلى عقد حلقة عمل لتحديد آليات تطبيق التوصيات وفق خصوصية كل محافظة، فالمتغيرات والتحولات القيمية ليست بنفس الماهية والدرجة في عموم المحافظات، وهذا لن يكتشفه ويعالجه الا في إطار سلطة المجالس البلدية بالتعاون مع قادة الرأي في كل مجتمع محلي، فهل نتوقع من مجلس الدولة القيام بهذه الخطوة التالية للندوة قريبا؟