[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
يكثر هذه الأيام الحديث الأميركي ومعه العراقي الرسمي عن اقتراب موعد تحرير مدينة الموصل العراقية من أيدي تنظيم "داعش" الإرهابي، وذلك لارتباط هذا الموعد بموعد الانتخابات الأميركية، ورغبة الإدارة الديمقراطية بقيادة الرئيس باراك أوباما في إعطاء دفعة دعائية للمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، ورفع حظوظها في مواجهة خصمها الجمهوري دونالد ترامب. وقد بدأت واشنطن الاستعدادات لما يسمى بمعركة تحرير الموصل بتجهيز قواعد عسكرية إضافية وإرسال المزيد من التعزيزات العسكرية والجنود والمستشارين العسكريين إلى العراق.
وفي إطار هذه الاستعدادات، كان لافتًا حضور الجانب الإنساني ومناقشة تداعيات المعركة المنتظرة على المدنيين من سكان الموصل، حيث عقدت في مقر الأمم المتحدة جلسة حول الأوضاع الإنسانية في العراق. وقد ناقش المجتمعون السيناريوهات المحتملة لعملية تحرير الموصل، حيث أشارت ليز جراندي منسقة الشؤون الإنسانية في العراق إلى أن نحو مليون ونصف المليون سيتأثرون بالعملية بشكل أو بآخر، ومن المتوقع أن عدد الفارِّين والنازحين من منطقة العمليات قد يتجاوز المليون. وقالت إن عملية تحرير الموصل ستشهد أكبر عملية إغاثة إنسانية في العالم لعام 2016.
ما من شك أن الجانب الإنساني هذا مثير للاهتمام ولعلامات استفهام، من حيث إن الحقائق اليوم باتت طاغية على بساط الواقع، وأضحت كالشمس ساطعة لا يمكن حجبها بغربال، بأن الولايات المتحدة لها تاريخ طويل في إنتاج التنظيمات الإرهابية ولديها علاقات قوية وراسخة، وتتعزز كل يوم وتقوى كلما توسعت دائرة المصالح والمشاريع الاستعمارية للقوة العظمى، فمثلما هندست الحرب بالوكالة في أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي السابق وصناعة تنظيم القاعدة الإرهابي، تنجح حاليًّا ومنذ تفجير مؤامرة "الحريق العربي" في هندسة الحرب بالوكالة ضد الدول العربية المستهدفة والتي تقف موقفًا مشرفًا من الاحتلال الإسرائيلي وجرائم حربه وانتهاكاته ضد الإنسانية في فلسطين المحتلة وخارجها، ولتدميرها واستنزاف حلفائها عبر استعمال البترودولار في التمويل والإنتاج وتوظيف الفكر التكفيري الظلامي لاستيلاد تنظيمات إرهابية تكفيرية من رحم تنظيم "القاعدة"، فكانت الولادة عبارة عن مئات التوائم من "الدواعش"، تتقدمها "داعش والنصرة وجيش الإسلام وجيش الفتح وأحرار الشام والسلطان مراد ونور الدين زنكي والجيش الحر" وغيرها التي ما أنزل الله بها من سلطان.
والتطورات الأخيرة على المشهد السوري تعطي شواهد وبراهين إضافية على علاقة الأبوة والأمومة بين الولايات المتحدة ومعسكرها وبين التنظيمات الإرهابية التي لا يمكن لها أن تنمو وتتوحش لولا التقامها أثداء واشنطن والقوى المكونة معها لمعسكر التآمر والإرهاب ورضاعتها منها، ومن بين هذه الشواهد والبراهين:
أولًا: العملية العسكرية التي شنتها تركيا ـ إردوغان داخل الأراضي السورية بذريعة منع قيام إقليم كردي مستقل على الحدود التركية، في انتهاك واضح وسافر للسيادة السورية، وعدم احترام القانون الدولي في هذا الشأن. والشاهد هنا هو تلك المسرحية الهزلية التي جرت في مدينة جرابلس والمتمثلة في عملية التسليم والتسلم بين الجيش التركي وتنظيم "داعش" الإرهابي، حيث قام التنظيم الإرهابي بتسليم المدينة للجيش التركي دون قتال والذي قام بدوره بتسليمها للتنظيمات الإرهابية كتنظيم "نور الدين زنكي" وتنظيم "السلطان مراد" وتنظيم "أحرار الشام" و"جبهة النصرة" و"جيش الفتح" وغيرها التي افترضت حكومة العدالة والتنمية السذاجة والغباء لدى المتابعين بإطلاق مسمى "الجيش السوري الحر" على هذه التنظيمات الإرهابية، مع أن العنوان العريض الذي رفعته حكومة إردوغان لانتهاك السيادة السورية هو محاربة "داعش".
ثانيًا: الغارة العدوانية الأميركية على مواقع الجيش العربي السوري في جبل الثردة بدير الزور وإيقاع عشرات الضحايا بين قتيل ومصاب، وذلك من أجل تسليم هذه المواقع لتنظيم "داعش" الإرهابي الذي زامن هجومه مستكملًا الغارة العدوانية على الأرض، والهدف من ذلك هو منع الجيش العربي السوري وحلفائه من تطهير دير الزور من رجس إرهاب "داعش"، مع ما رافق ذلك من إمداد أميركي كبير من الأسلحة النوعية للتنظيم الإرهابي الذي تمكن فيما بعد من استخدامها وإسقاط طائرة ميج سورية.
ثالثًا: ما كشف عنه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ـ رغم أنه حليف لواشنطن وداعم للتنظيمات في سوريا ـ أن "أميركا أسقطت أسلحة محملة على طائرتين في كوباني (عين العرب) لوحدات حماية الشعب الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي...". وأشار إردوغان إلى أن الولايات المتحدة أرسلت في وقت سابق ثلاث طائرات محملة بالأسلحة أيضًا إلى كوباني (عين العرب) أيضًا؛ حيث ذهب نصف تلك الأسلحة إلى يد تنظيم "داعش" الإرهابي، في حين ذهب النصف الآخر إلى تنظيم "ب ي د" الكردي السوري.
إذًا، من خلال الشواهد والبراهين السابقة يبرز السؤال الملح الآتي: في ظل علاقة الأمومة والأبوة القائمة بين الولايات المتحدة ومعسكرها مع التنظيمات الإرهابية بما فيها "داعش"، لماذا تتجه الإرادة الأميركية ومن معها نحو إثارة الفوضى والتسبب في معاناة مليون ونصف مدني داخل الموصل من هذه العملية، مع أن الدعاية الانتخابية للمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون ستكون متحققة ومنجزة؟ ولماذا لا تتم عملية تسليم وتسلم للمدينة كما حدث في مدينة جرابلس؟
لا ريب أن هذه الفوضى والإصرار على إيذاء المدنيين وتشريدهم، وإلحاق المزيد من الكوارث والمآسي بحق الشعب العراقي كان ولا يزال هدفًا صهيونيًّا ـ أميركيًّا؛ لكون هذه الكوارث والمآسي عاملًا من عوامل بقاء العراق في دائرة الفوضى النازعة نحو التقسيم؛ وليكون العراق منصة صهيونية ـ أميركية متقدمة لاستهداف دول المنطقة، ولاقتلاع عمود خيمة المقاومة. فاستقرار العراق وليبيا وسوريا وغيرها من الدول العربية المستهدفة هو خط أحمر صهيوني ـ أميركي؛ لأن استقرار هذه الدول يعني عودتها قوية كما كانت، وربما أكثر. ولعل الوجود العسكري الأميركي بهذا الزخم الكبير في العراق والعمل على تضخيمه في ليبيا، ثم في سوريا يؤكد ذلك.

[email protected]