[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/haithamalaidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]هيثم العايدي[/author]

” .. تبدأ قصص الهجرة غير الشرعية دائما بمهاجر ضاق به الأفق مع ضيق معيشته فيما يسمع حكايات ويراها تتجسد أمام عينيه عن نماذج نجحت في الوصول إلى الشاطئ الآخر من البحر وعادت إلى قريته محملة بالأموال وباتت قصصها مثار حديث الأسر حتى إن قرى بعينها باتت مشهورة باتخاذ البعض فيها من اليورو عملة رسمية للتداول.”
ــــــــــــــــــــــــــــ
يقع كل من أقدم على محاولة لعبور البحر سعيا إلى الشاطئ الآخر في هجرة غير شرعية تحت مثلث يمثل المهاجر نفسه أحد أضلاعه فيما تمثل الحكومات وعصابات التهريب الضلعين الآخرين.
فوسط ظروف إقليمية جعلت من الدول المطلة على جنوب البحر المتوسط معبرا للمهاجرين من هذه الدول أنفسها اضافة إلى آخرين من جنوب الصحراء الأفريقية يبتلع قاع البحر بصورة دورية المئات من المهاجرين.
وبحسب المفوضية العليا للاجئين، عبر أكثر من 300 ألف مهاجر ولاجىء البحر المتوسط في 2016 بهدف الوصول الى اوروبا وخصوصا إلى ايطاليا، وهو عدد أدنى مما سجل في الأشهر التسعة الأولى من 2015 (520 الفا) لكنه يتجاوز مجموع الوافدين في العام 2014 (216 الفا و54 مهاجرا).
وبحسب منظمة الهجرة الدولية فانه حتى منتصف سبتمبر هذا العام، لقي 2756 شخصا حتفهم اثناء عبورهم الطريق الأوسط في البحر المتوسط الذي يربط شمال افريقيا بايطاليا.
وتبدأ قصص الهجرة غير الشرعية دائما بمهاجر ضاق به الأفق مع ضيق معيشته فيما يسمع حكايات ويراها تتجسد امام عينيه عن نماذج نجحت في الوصول إلى الشاطئ الآخر من البحر وعادت إلى قريته محملة بالأموال وباتت قصصها مثار حديث الأسر حتى إن قرى بعينها باتت مشهورة باتخاذ البعض فيها من اليورو عملة رسمية للتداول.
وسط هذه الحكايات ومع ضيق في العيش تتحمل الحكومات جزءا كبيرا منه سواء بعدم توفير الفرص أو حتى تأهيل الشباب نتيجة واقع تعليمي مترد لا يؤهل لسوق العمل يصبح الشغل الشاغل والحلم والوحيد لهذا الشاب هو عبور البحر للنهل من الأموال التي يظن أنها متوافرة بغزارة على الشاطئ الآخر وتنتظر مجيئه ليعود بها إلى قريتها مثل أولئك الذين اتخذهم مثلا أعلى.
وهنا يأتي دور عصابات التهريب التي يكون لها وسيط معروف بالقرى يتقاضى مبلغا يصل لآلاف الدولارات مقابل تصعيد هذا الشاب على متن مركب غالبا ما يكون من ذلك المخصص للصيد وغالبا أيضا ما يكون متهالكا يتولى ايصال الشاب إلى اقرب نقطة من الشاطئ ليتركه يستكمل بقية الرحلة إلى الشاطئ حيث غالبا اذا ما حالفه الحظ كما أراد فسيتم تلقفه من قبل خفر السواحل في دولة الوصول ويبدأ قصة جديدة في معسكرات تم تخصيصها لللاجئين.
أما اذا جرت الرياح بما لا تشتهي سفينته فمصيره إما الغرق مع القارب المتهالك أو أن كان مقدرا له الحياة فسيتم انتشاله واعادته إلى قريته بعد فقدان ما دفعه من مبلغ لوسيط التهريب غالبا ما يتم جمعه بالاستدانة أو بيع ممتلكات عائلته.
واذا كان الشاب يتحمل جانبا كبيرا من اللوم على القاء نفسه في البحر وراء وهم يراه هو حلما فان الجانب الأكبر من اللوم تتحمله الحكومات التي لم تقم بدور كاف للتوعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية كما لم تتخذ الاجراءات الضرورية لمكافحتها خاصة في دول العبور.
فلا يعقل أن يكون وسطاء التهريب معروفين لجميع أهالي القرى لدرجة أن هؤلاء الأهالي يعطونهم كل ما يملكون بل وما استدانوه من أجل تسفير أبنائهم فيما لا تستطيع الجهات الأمنية تتبع هؤلاء الوسطاء والوصول إلى عصابات التهريب.
ولا يعقل أن يتم الاكتفاء بتوجيه التساؤلات عن كيفية جمع الأهالي هذه المبالغ لالقاء أبنائهم في البحر في تجربة غير مضمونة دون توجيهها إلى اقامة مشاريع يتكسبون منها في قراهم دون البحث في التركيبة النفسية والاجتماعية التي جعلت من تحقيق كافة الأحلام مرهونا بعبور البحر.

كاتب صحفي مصري
[email protected]