[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/tarekashkar.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]طارق أشقر [/author]
أثار الفيتو الرئاسي الذي استخدمه الرئيس الأميركي باراك أوباما الجمعة الماضية لتعطيل قانون يجيز لضحايا اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر 2001 مقاضاة المملكة العربية السعودية جدلا واسعا بين القانونيين والسياسيين والمراقبين في الداخل والخارج الأميركي ، رغم أنه يعتبر موقفا (رئاسيا) حاسما من جانب الرئيس الأميركي أعطى فيه الأولوية لمرحلة مابعد إجازة القانون المثير للجدل.
وفيما كانت عائلات الضحايا تتطلع لعدم اتخاذ أوباما لحقه في النقض ضد القانون لكي تتخذ العدالة مساراتها في وقت لاتملك فيه ادعاءات المؤيدين لصياغة القانون المزعوم أي قرائن تثبت تورط السعودية كدولة أو حكومة في تلك الهجمات( البغيضة والمرفوضة ) التي لا تتناسب مع أخلاق الحكومات ، فقد جاء الفيتو الرئاسي الأخير واضعاً النقاط فوق الحروف بالقدر الذي يراعي فيه على المدى البعيد أهمية حماية مبدأ (حصانة الدول) التي أقرها القانون الدولي.
ورغم أن الخطوة التي أقدم عليها أوباما ستكسبه عداء أسر الضحايا والكثير من منظمات المجتمع المدني خصوصا الحقوقية منها بالمجتمع الأميركي، إلا أن الرجل كما يبدو تعامل مع القضية بمنطق الاقتصادي من جهة، والسياسي الاستراتيجي من جهة أخرى، والقانوني أيضا خصوصا عندما يتعلق الأمر بالسجالات والمعارك القانونية داخل وخارج أميركا في قضايا لربما يكون الأميركيون طرفاً فيها بشكل أو بآخر.
فمن ناحية المنطق الاقتصادي، وكما تناول الكثير من المحللين الاقتصاديين، ووفقا لما تداوله الإعلام الأميركي نفسه، فإن المملكة العربية السعودية – التي ليست طرفاً في القضية كدولة – كما يؤكد ذلك الكثير ممن تناولوا الموضوع من جوانبه القانونية – هي كقوة اقتصادية ضاربة في مجال الاستثمار المالي خارج أراضيها ، وفي مجال التسليح وشراء الأسلحة الأميركية المتطورة خصوصا من السوق الأميركية ، وفي مجال الاستعانة بالشركات الأميركية الضخمة والشركات العالمية المتعددة الجنسيات التي بينها شركات أميركية رائدة ، ستكون وبمالايدع مجالا للشك الأقدر على التعامل بردة فعل تقودها لاتخاذ قرارات ذات أبعاد اقتصادية ستضر وبكل تأكيد بالاقتصاد الأميركي . وبمقدورها أن تخطو هكذا خطوة ليس في حال أن تكون هي كطرف مدعى عليه ، بل بمجرد إقحامها قضائيا( كدولة) في مثل هذا النوع من القضايا الذي يكون الهدف الأسمى فيه الحصول على تعويضات مالية كبرى.
أما من الناحية السياسية الاستراتيجية ، وعلى الرغم من أنه من حق أهل ضحايا هجمات سبتمبر البغيضة أن تحال مظالمهم إلى العدالة، ولكن يبدو أن الرئيس الأميركي، أدرك بأن تجاوز مبدأ (حصانة الدول) سيسهم على المدى البعيد في تقليص الريادة الأميركية ويحجمها من القيام بأدوار توسع من هيمنتها الاستراتيجية في الخارج الأميركي، ويمنعها بالتالي من التدخل في قضايا خارجية تتعلق بالتدخلات العسكرية التي تتم بحجج محاربة الإرهاب أو منع تطوير القدرات النووية غير المشروعة، أو لمناصرة حقوق الإنسان أو أو أو غيرها من المبررات التي كثيرا ماتكون خلف التدخلات العسكرية والسياسية الأميركية في الخارج.
وفي السياق نفسه، وبالانتقال من الناحية السياسية الاستراتيجية إلى الناحية القانونية التي لربما أخذها الرجل في اعتباره لاستخدام حق النقض، فإن إتاحة الفرصة لتجاوز مبدأ حصانة الدول، ووضعها في قفص الاتهام ومحاكمتها، وفي ظل وجود معضلتين غير محسومتين من الناحية المفاهيمية والقانونية، وهما مفهوم (الإرهاب نفسه كتعريف ومعنى ونسبية تعريفة وعدم اتفاق كافة الدول على تعريف محدد بشأنه)، وكذلك مفهوم (إقليمية القانون التي تعني أن لكل قانون أرضيته وقطريته التي تضمن سيادته وضرورة نفاذه داخل حدود دولته وعلى الجميع مواطنين أو غير مواطنين) فإن وجود هذين العاملين سيجعلان من إجازة القانون المطروح في أميركا بشأن الخوض في هكذا محاكمات، سيشرع الباب واسعا أمام محاكمة مواطنين أميركيين وشركات أميركية ودبلوماسيين أميركيين خارج أميركا وفي بلدان يكون فيها تعريف مفهوم الإرهاب على سبيل المثال مختلفا عنما هو مأخوذ به في أميركا ، خصوصا وأن أميركا ترفع راية مكافحة الإرهاب على مستوى العالم .
وعليه سيظل الجدل قائما بشأن الفيتو الرئاسي، خصوصا وإن لم يتبقى لأوباما في الرئاسة غير أربعة فقط ، مع إمكانية أن يتجاوز الكونجرس الأميركي هذا الفيتو في حال التصويت ضده بأكثر من الثلثين، فضلا عن أن من سيتولى الرئاسة بعده قد لايمضي في نفس مسار أوباما ، سواء كان ترامب المعروف بمواقفه في هذا الشأن او هيلاري كلينتون الداعمة حتى الآن لإجازة هذا القانون المثير للجدل .

طارق أشقر
من أسرة تحرير الوطن
[email protected]