[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/jawadalbashity.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]جواد البشيتي[/author]
”يقول الصحافي الفرنسي جان كلود: كان الرئيس جورج بوش الابن من أشد المؤمنين بالخرافات الدينية البالية، وهو مهووس بالتنجيم والغيبيات، وتحضير الأرواح، وقراءة الكتب اللاهوتية القديمة، أمَّا الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك فقال: تلقيتُ من الرئيس بوش مكالمة هاتفية في مطلع 2003، فوجئت فيها بالرئيس بوش وهو يطلب مني الموافقة على إشراك الجيش الفرنسي في الحرب على العراق، مبررًا ذلك بالحاجة إلى تدمير آخر أوكار "يأجوج ومأجوج".”

"التوراة" تتضمَّن ما يفيد بعودة المسيح في آخر الزمان، ويرى كبير الحاخامات الإسرائيليين إسحاق قدوري أن "المسيح المنتظَر يوشك أنْ يظهر في الأرض المقدسة"، داعيًّا إلى "التعجيل في هدم المسجد الأقصى، وإقامة الهيكل الثالث على أنقاضه"، كما دعا إلى التعجيل في عودة كل اليهود المنتشرين في العالَم إلى إسرائيل، لأنَّ الكوارث الطبيعية تتربص بالعالم.
وكان قدوري قد قال، استنادًا إلى حسابات دينية يهودية، إن حرب "يأجوج ومأجوج" قد بدأت بالحرب التي شنتها الولايات المتحدة على أفغانستان، وإنَّ المسيح المنتظَر سيظهر في سياق هذه الحرب.
يقول الصحافي الفرنسي جان كلود: كان الرئيس جورج بوش الابن من أشد المؤمنين بالخرافات الدينية البالية، وهو مهووس بالتنجيم والغيبيات، وتحضير الأرواح، وقراءة الكتب اللاهوتية القديمة، أمَّا الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك فقال: تلقيتُ من الرئيس بوش مكالمة هاتفية في مطلع 2003، فوجئت فيها بالرئيس بوش وهو يطلب مني الموافقة على إشراك الجيش الفرنسي في الحرب على العراق، مبررًا ذلك بالحاجة إلى تدمير آخر أوكار "يأجوج ومأجوج"، قائلًا إنهما مختبئان الآن في الشرق الأوسط، قرب مدينة بابل القديمة. وأصرَّ على الاشتراك معه في حملته الحربية، التي وصفها بالحملة الإيمانية المباركة، ومؤازرته في تنفيذ هذا الواجب الإلهي المقدس، الذي تضمَّنته نبوءات التوراة والإنجيل.
قال بوش لشيراك: إن الحرب تستهدف القضاء على يأجوج ومأجوج، اللذين يعملان على إنشاء جيش من المتطرفين الإسلاميين لتدمير إسرائيل والغرب، ثم قال له إنه تلقى وحيًا من السماء لإعلان الحرب على العراق، لأن يأجوج ومأجوج انبعثا من جديد في العراق، وهو في طريقه إلى مطاردتهما، لأنهما ينويان تدمير الغرب المسيحي.
حتى إشعال فتيل حرب نووية مدمِّرة، إذا ما اقتضت مصلحة القابضين على زمام الحكم إشعالها، يمكن أنْ يَجِد سندًا شعبيًّا له إذا ما صُوِّرَت هذه الكارثة على أنَّها تحقيقٌ لبعضٍ مِمَّا تضمَّنته "النبوءة الدينية".
وتستطيع جماعة سياسية ما أنْ "تُمَثِّل"، في "الشكل" من وجودها، "دَوْرًا" تَضَمَّنَتْه "النبوءة الدينية"، فتَلْبَسُ برجالها، وقادتها، وخطابها، وأسلوب حياتها وصراعها، وشعاراتها، ولغتها، اللبوس الذي تَضَمَّنَتْه تلك "النبوءة"، فيَتَقَبَّل العامة من الناس سريعًا وجودها، شكلًا ومحتوىً، ولقد بدا "داعش"، في شكل ومحتوى وجوده، نسخةً من عناصر عدة تَضَمَّنَتْها "نبوءة دينية"، شُرِحَت وفُسِّرَت على أنَّها تختص بهذا التنظيم.
وفي بعضٍ من الأمور والأحداث الخاصة بالصراع بين العرب وإسرائيل، رَأَيْنا كثيرًا من "النبوءات الدينية" يُفسَّر ويُؤوَّل بما يخدم غايات ومآرب ومقاصد إسرائيلية، أو بما يُبَرِّئ ساحة بعض الدول والحكومات العربية من تهمة "التَّقصير" مثلًا، فهزيمة يونيو/حزيران 1967 صُوِّرَت على أنَّها تَحَقُّقٌ لبعضٍ مِمَّا وَرَد في "نبوءات دينية"، أمَّا تغيير ميزان القوى بين العرب وإسرائيل بما يسمح بإحرازهم النَّصر النهائي عليها، فصُوِّر على أنَّه أَمْرٌ عبثي ولا طائل منه، لأنَّ هذا النَّصر لن يتحقَّق، بحسب "نبوءة دينية"، إلاَّ قُبَيْل قيام السَّاعة، وعندما ينطق الحجر قائلًا للمسلم: "يا مسلم ورائي يهودي فاقتله"، ولقد ذهب بعض الشيوخ من المشتغلين بهذه "النبوءات الدينية" إلى حَدِّ الدَّعوة إلى فِعْل كل ما من شأنه التَّمكين لإسرائيل في الأرض، وتركيز يهود العالم في فلسطين، بدعوى أنَّ إسرائيل، وبحسب "نبوءة دينية"، لن تُهْزَم شَرَّ هزيمة قَبْل أنْ تبلغ هذا المبلغ من القوَّة والعظمة!
"النبوءات الدينية" مدارها جميعًا هو "فكرة نهاية العالَم"، وفي يوم الحادي والعشرين من ديسمبر 2012، "نجا" العالَم، مرَّة أخرى (لن تكون الأخيرة) من الهلاك، أو الفناء، فذاك اليوم مَرَّ بسلام، ولم يأتِ إلاَّ بالنبأ الآتي: "العالَم باقٍ، لم يَنْتَهِ".
المؤمنون بنبوءة "المايا" اخْتَبَروا "النبوءة"، فإذا كان معناها (الحقيقي) هو أنَّ العالَم سيهلك ويفنى يوم الحادي والعشرين من ديسمبر 2012 فلقد ثبت الآن أنَّ هذه "النبوءة" كانت "خرافة خالصة"، ودليل الإثبات هو أنَّ العالَم ما زال "حَيًّا يُرْزَق".
إنَّ الإخبار بالغيب، أو عنه، والمنسوب إلى نبيٍّ، هو المعنى الإصطلاحي لـ النبوءة، والنبوءات الدينية، على وجه العموم، والتوراتية والتلمودية منها على وجه الخصوص، تشغل حيِّزًا من "السياسة"، يضيق تارةً، ويتَّسِع طورًا.
"النبوءة التوراتية" هي قول منسوب إلى نبيٍّ من أنبياء بني إسرائيل، وما أكثرهم. وهذا القول، ولجهة معناه، يجب أنْ يختص بالمستقبل، فتَبَيُّن صدقيته من عدمها هو أمر يخص الناس بعد سنوات، أو قرون من الزمان. وينبغي لـ"القول ـ النبوءة" أنْ يكون في كثير من مفرداته وعباراته شبيهًا بـ"لغة الأحلام"، فـ"البقرة" التي تُرى في المنام، مثلًا، أو يَرِد ذِكْرها في "النبوءة"، يجب أنْ تُفْهَم بـ"معناها الرَّمزي"، وإنَّ مَلْء نصِّد "النبوءة" بكثير من المفردات والعبارات ذات الدلالة الرمزية هو ما يَضْمَن لها الاستمرار زمنًا طويلًا، ويَجْعَل كشف واكتشاف معانيها ودلالاتها الرمزية مدار جهود واجتهاد الناس جيلًا بعد جيل. وتَنَاقُض "النبوءة" يكمن في كونها تستمر وتدوم وتعمر على الرغم من أنَّ تأويلاتها المختلفة، مكانًا وزمانًا، تتلاشى صدقيتها سريعًا بقوَّة حقائق الواقع. إحدى "النبوءات التوراتية" أوَّلها رجال دين يهود، قبل بضع سنوات، بما جَعَل لها المعنى السياسي الآتي: إيران بقيادة نجاد ستَشُنُّ هجومًا صاروخيًّا مدمِّرًا على إسرائيل، وسيكون منسَّقًا مع سوريا و"حزب الله" وحركة "حماس". الواقع ذهب بهذا المعنى للنبوءة، فنجاد ما عاد رئيسًا لإيران، وفي عهده لم تشن إيران هذا الهجوم الصاروخي، ومع ذلك، بقيت النبوءة نفسها، وبقي الاستمساك بها.
وهكذا يتأكَّد لنا، ويَثْبُت، أنَّ "النبوءات الدينية" لا يمكن فهمها وتفسيرها إلا بصفة كونها امتدادًا للسياسة، فالساسة عرفوا دائمًا كيف يوظِّفون هذه النبوءات بما يخدم مآربهم ومقاصدهم وغاياتهم السياسية.