مع التقدم الميداني للجيش العربي السوري في حلب تحديدًا يعلو الصراخ الأميركي ليبلغ أقصى مدياته، لكونه حالة ثابتة لدى المايسترو الأميركي لتبرير ما اقترفه من جرائم وموبقات وما ينوي فعله أكثر يتناسب أو ربما يفوق مستوى الصراخ.
يحاول الأميركي أن يداوي أسباب صراخه تارة بالتهديد بنقل المعركة مع روسيا الاتحادية إلى مجلس الأمن الدولي عبر شركاء الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي وأتباعها الإقليميين، وتارة بالتلويح بوقف التعاون مع موسكو وخاصة إقامة "مركز مشترك" للتنسيق العسكري بحسب ما ينص عليه الاتفاق الروسي الأميركي الذي وقع في جنيف في التاسع من سبتمبر قبل أن ينهار بعد عشرة أيام، وتارة بالتلويح بنقل الإرهاب إلى المدن الروسية وضرب المصالح الروسية، والإشارة إلى أتباعها بتمويل شراء صفقات أسلحة مضادة للطيران وتزويد التنظيمات الإرهابية بها.
وفي الحقيقة، إن هذه المحاولات ليست لهدف إنساني أو لمسعى سياسي تعمل الولايات المتحدة عليه لتخليص الشعب السوري من محنته والكارثة التي ألحقتها به عبر معسكرها المتآمر الذي تقوده لتدمير سوريا وشعبها وجيشها وقيادتها، وإنما هذا الصراخ والوجع الأميركيان ناتجان عن انهيار متتالٍ للتنظيمات الإرهابية التي أنتجتها ومعسكرها ودعمتها، مهدِّدًا بنهاية وشيكة لها في أحياء حلب الشرقية، ما يعني أن سيطرة الجيش العربي السوري على حلب باستعادة الأحياء المحتلة من قبل التنظيمات الإرهابية المدعومة من واشنطن ومعسكرها، يفقدها ورقة استراتيجية هي من أهم أوراق مخطط تدمير سوريا وتقسيمها، وبالتالي فهي (واشنطن) وشركاؤها وأتباعها تبذل كل جهد ممكن لإيقاف التقدم الميداني للجيش العربي السوري، وإيقاف حالة الانهيار والتداعي لتنظيماتها الإرهابية في شرق حلب، لا سيما وأنها تدرك تمامًا أنه خلال أسبوع أو أكثر يكون الجيش العربي السوري قد تمكَّن من دحر الإرهاب في الأحياء الشرقية بالمدينة؛ لأنه لو كان هذا الصراخ والوجع الأميركيان صادقين فيما يرفق بهما من شعارات إنسانية وبكائيات لكان هناك اختلاف جذري في عملية المعالجة والتدخل، ولأعطت الولايات المتحدة مواقف جادة وصادقة وإشارات دالة على ذلك من حيث وقف دعمها للتنظيمات الإرهابية، والتنفيذ الرصين والجدي للاتفاق الذي وقعته مع روسيا الاتحادية، والالتزام بما تعهدت به وهو فصل من تصفهم "معارضة معتدلة" عن ما يسمى "جبهة النصرة"، ولتخلت عن المراوغات والمماحكات والحيل والخداع، باعتبار هذه الخطوات هي المنطلق الذي يتأسس عليه الحل السياسي. لكن وقائع الأحداث وكل التحركات والتصريحات الأميركية تحمل نيات خبيثة ومبيتة، وتعبِّر عن رغبة كبيرة في تصعيد مستوى الإرهاب بحيث لا يقتصر فقط على النطاق الجغرافي السوري والعراقي، وإنما توسيعه ليصل إلى عمق الأراضي الروسية، والسير نحو تزويد إرهابييها الذين تصفهم بـ"المعتدلين" بصواريخ مضادة للطيران، ما يعني أن سماء المنطقة أصبحت ملوثة بالإرهاب وليس أرضها وبحرها فحسب، إذ إن الطيران المدني سيكون أحد الضحايا وهدفًا من الأهداف، فدفعات الأسلحة المضادة للطيران التي لوَّحت واشنطن بإيصالها إلى إرهابييها بدأت تُشاهد في قبضة هؤلاء الإرهابيين، في مسعى صهيو ـ أميركي واضح لتعميم الفوضى الإرهابية في المنطقة ورفع منسوبها إلى أقصى درجاتها، وهو مسعى مثلما يعبِّر عن عجز وشلل، يعكس مدى الكراهية والأحقاد والدوافع الاستعمارية والهيمنة على المنطقة وإهلاك شعوبها ونهب مقدراتها.