اعداد مراسل "الوطن" ـ في فلسطين المحتلة:

قبل 16 عاما، وفي مثل هذا اليوم 28 سبتمبر 2000، اندلعت شرارة الانتفاضة الفلسطينية الثانية عقب اقتحام رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون المسجد الأقصى ومعه قوات كبيرة من جيش الاحتلال. ودنس شارون آنذاك الأقصى متجولا في باحاته، وقال إن الحرم القدسي سيبقى منطقة إسرائيلية، مما أثار استفزاز الفلسطينيين، فاندلعت المواجهات بين المصلين والجنود الإسرائيليين، واستشهد سبعة مقاومين وجُرح 250 آخرون، كما أُصيب 13 جنديا إسرائيليا.


وشهدت مدينة القدس مواجهات عنيفة أسفرت عن إصابة العشرات، وسرعان ما امتدت إلى كافة المدن في الضفة الغربية وقطاع غزة، وسميت بـ"انتفاضة الأقصى". ويعتبر الطفل الفلسطيني "محمد الدرة" رمزا للانتفاضة الثانية، فبعد يومين من اقتحام المسجد الأقصى، أظهر شريط فيديو التقطه مراسل قناة تلفزيونية فرنسية، يوم 30 سبتمبر 2000، مشاهد إعدام حية للطفل البالغ (11 عاما) الذي كان يحتمي إلى جوار أبيه ببرميل إسمنتي في شارع صلاح الدين جنوبي مدينة غزة.
وقُبيل اقتحام شارون للأقصى، عانى الفلسطينيون من انسداد الأفق السياسي بعد رفض "إسرائيل" تنفيذ بنود الحل النهائي بحسب اتفاقية "أوسلو"، وانتهاجها سياسة الاستيطان في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، وتجاهلها الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين. وامتدت المواجهات التي بدأها شبان مقدسيون غاضبون من تدنيس شارون للمسجد الأقصى إلى مدن الضفة وقطاع غزة، وارتقى خلالها ما يزيد على أربعة آلاف شهيد فلسطيني على مدار نحو خمس سنوات.
وتعرضت مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة -خلال الانتفاضة-لاجتياحات عسكرية وتدمير آلاف المنازل والبيوت، وكذا تجريف آلاف الدونمات الزراعية. واستخدم الشعب الفلسطيني ببداية الانتفاضة الحجارة لمواجهة جيش الاحتلال، لكن فصائل المقاومة ما لبثت أن طورت من امكاناتها واتخذت شكلًا أكثر تنظيمًا، فاستخدمت عمليات الطعن ومن ثم العمليات الاستشهادية داخل العمق الإسرائيلي.
وانتفض أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل الفلسطيني، في وجه المؤسسة الإسرائيلية، ونظمت مسيرات غاضبة في البلدات العربية احتجاجا على الانتهاكات، غير أن قوات القمع الإسرائيلية ومعها وحدة القناصة التي كانت تطلق النيران دون رحمة، قتلت ثلاثة عشر شابا من الداخل الفلسطيني.

تطور بالمواجهة:
وعملت فصائل المقاومة على توسعة أجنحتها العسكرية، وقامت "كتائب القسام" الجناح المسلح لـ "حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بتطوير سلاحها في الانتفاضة الثانية، وتمكنت من تصنيع صواريخ لضرب المدن والبلدات الإسرائيلية. وبحسب إحصاءات رسمية إسرائيلية فإن 1069 إسرائيليًّا (334 جنديًّا و735 مستوطنًا) قتلوا خلال سنوات الانتفاضة، وجرح نحو 4500 آخرين، وأعطبت أكثر من 50 دبابة إسرائيلية.
وكانت مستوطنة "سديروت" جنوب إسرائيل على موعد مع تلقي أول صاروخ فلسطيني محلي الصنع أطلقته كتائب القسام، بعد عام من انطلاقة انتفاضة الأقصى يوم 26 أكتوبر 2001، لتطور الكتائب بعد ذلك - وعلى نحو متسارع - من قدراتها في تصنيع الصواريخ حتى وصل مداها إلى كبرى المدن في إسرائيل.
الاحتلال من ناحيته صعد في نوعية المواجهة، فقتلت طائراته الناشط البارز في حركة فتح حسين عبيات، وذلك بتاريخ التاسع من نوفمبر، بعد قصف سيارته بالصواريخ في مدينة بيت لحم، لتكون بمثابة الفاتحة في سلسلة الاغتيالات الإسرائيلية للنشطاء الميدانيين وقادة الفصائل والعمل الوطني، حيث كان أمين سر حركة فتح في مدينة طولكرم ثابت ثابت، الهدف الثاني للاغتيال بعد عبيات. لاحقا ازدادت وتيرة الاغتيالات الإسرائيلية، وشملت معظم الفصائل الفلسطينية وقادتها، كما تم قصف مقرات للشرطة الفلسطينية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، مما أسفر عن استشهاد عشرة مواطنين، وجاء ذلك بعد أن نفذت عملية تفجير في مركز تجاري سياحي بمدينة نتانيا الساحلية وأسفرت عن مقتل خمسة إسرائيليين واصابة آخرين.
ومن أبرز أحداث الانتفاضة الثانية اغتيال وزير السياحة بحكومة الاحتلال الإسرائيلية "رحبعام زئيفي" على يد مقاومين من "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين". واستخدم كيان الاحتلال الإسرائيلي خلال الانتفاضة سياسة الاغتيالات المباشرة، فاستهدف كل من مؤسس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أحمد ياسين، ومن خلفه في رئاسة الحركة عبد العزيز الرنتيسي، والكثير من قيادات الحركة السياسيين، إضافة إلى الأمين العام للجبهة الشعبية أبو علي مصطفى. كما اغتالت إسرائيل الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بالسم بحسب ما أكدت تقارير وتحقيقات صحفية استندت على تحاليل مخبرية لبعض مقتنيات الرئيس الراحل، وشكلت السلطة الفلسطينية لجنة تحقيق للكشف عن ملابسات ذلك، لكن نتائجها لم تظهر حتى اليوم.
وشهدت عواصم عربية ودولية مظاهرات حاشدة لدعم الشعب الفلسطيني في مواجهة البطش الإسرائيلي، لكن القرار الرسمي العربي لم يرتق للمستوى المطلوب شعبيًّا واقتصر على كلمات الدعم والمساندة دون حراك جدي على الأرض.
وعلى الصعيد الدولي، قدمت بعض الدول احتجاجات رسمية على الاعتداءات الإسرائيلية والاستخدام غير المتوازن للقوة ضد الشعب الفلسطيني، وصدرت العديد من القرارات والمقترحات الدولية التي تعتبر وثائق إدانة لـ "إسرائيل".

لجنة أور:
تقرير "لجنة أور" الذي نشر عام 2003 أشار بوضوح إلى مسؤولية القيادة السياسية العربية للجماهير الفلسطينية، وحملها مسؤولية كاملة بحجة تحريض الجماهير العربية والتسبب في أحداث عنف، وأخرج كل من المتهمين الحقيقيين أمثال "شلومو بن عامي" وزير الأمن الداخلي و"أليك رون" قائد المنطقة الشمالية الذي أعطى أوامر باستعمال الرصاص الحي ضد المتظاهرين السلميين في القرى والبلدات العربية، ما أدى إلى سقوط الشهداء وعشرات الجرحى من دائرة الاتهام والإدانة، وتلاها قرار إغلاق ملفات التحقيق حين قرر المستشار القضائي للحكومة "ميني مزوز" عام 2008 تبني توصيات قسم التحقيقات مع رجال الشرطة في وزارة القضاء (ماحش) التي أوصت بعدم تقديم لوائح اتهام ضد رجال الشرطة.
كانت مهمة اللجنة منذ البداية ليس التحقيق وتحري الأحداث وجمع الأدلة والبراهين والمعلومات، لكنها اعتمدت إلى حد كبير جدا على شهادات ووثائق الأجهزة الاستخبارية ما أفقدها مصداقيتها وشفافيتها، فأوكلت إلى اللجنة منذ بداية مزاولة مهمة البحث عن سلوك من سمتهم المحرضين والمنظمين - لا الشرطة التي قتلت المواطنين تحديدا - أي أن اللجنة لم تكن مهمتها منذ البداية التحقيق في قتل 13 مواطنا عربيا فلسطينيا. علاوة على ذلك انطلقت اللجنة من منطق إلقاء اللوم على المجتمع العربي، واتهمته بالردكلة والتطرف الأيديولوجي. وقد عبر أحد أعضائها عن ذلك بقوله: "إن هذه المظاهرات لم تكن شرعية، ولاقت ردا غير شرعي من الشرطة". ورغم المؤشرات السلبية التي حملها تقرير "أور" إلا أنه أشار إلى الظلم والتمييز وسياسة الإجحاف تجاه الفلسطينيين، ما اعتبره العديد من المحللين والباحثين الوثيقة التاريخية الأولى القضائية والمدنية التي تقر رسميا بسياسة السلطات الرسمية العنصرية التي أوصلت الجماهير الفلسطينية في الداخل إلى أحداث 2000.

انتفاضة جديدة:
وتوقفت انتفاضة الأقصى في الثامن من فبراير 2005 بعد اتفاق هدنة بين الإسرائيليين والفلسطينيين في قمة "شرم الشيخ"، غير أن مراقبين يرون أن الانتفاضة الثانية لم تنته لعدم توصل الفلسطينيين والإسرائيليين إلى أي حل سياسي واستمرار المواجهات بمدن الضفة.
وبعد انحسار الانتفاضة، وفي ظل انسداد الأفق السياسي بسبب التعنت الإسرائيلي في مفاوضات التسوية مع السلطة، واستمرار تدنيس الأقصى و"تغول" الاستيطان بالضفة والقدس، واستمرار حصار قطاع غزة، انطلقت شرارة انتفاضة القدس في الأول من أكتوبر عام 2015. وسيمت انتفاضة القدس بالانتفاضة الثالثة وكذلك سُميت انتفاضة السكاكين؛ وتميزت بقيام الفلسطينيين بعمليات طعن متكررة لعسكريين ومستوطنين إسرائيليين، وكذلك قيام الاحتلال بإعدامات ميدانية للفلسطينيين بحجج محاولتهم تنفيذ عمليات طعن.
يُذكر أن الفلسطينيين بدأوا بانتفاضتهم الأولى في 8 ديسمبر 1987، في مدينة جباليا بقطاع غزة، بسبب دهس سائق شاحنة إسرائيلي مجموعة من العمّال الفلسطينيّين على حاجز "إريز"/ بيت حانون، الذي يفصل قطاع غزة عن بقية الأراضي فلسطين منذ سنة 1948؛ وسرعان ما انتقلت إلى كل مدن وقرى ومخيّمات فلسطين.


100 ألف حالة اعتقال منذ اندلاع الانتفاضة الثانية

أفادت هيئة شؤون الأسرى والمحررين، بأن قوات الاحتلال اعتقلت اكثر من مئة ألف فلسطيني، منذ اندلاع انتفاضة الأقصى في 28 سبتمبر عام 2000. وأوضحت الهيئة في بيان، أصدرته يوم الأربعاء الماضي، لمناسبة الذكرى السادسة عشرة لاندلاع انتفاضة الأقصى، أن تلك الاعتقالات طالت كافة شرائح وفئات المجتمع الفلسطيني دون استثناء، ذكورا وإناثا، صغارا وكبارا، وشملت مرضى، وجرحى، ومعاقين، ونواب، ووزراء سابقين، وقيادات سياسية، وأكاديمية، ومجتمعية وغيره. وأشارت إلى أن جميع من مروا بتجربة الاعتقال، تعرضوا لشكل أو أكثر من أشكال التعذيب الجسدي، أو النفسي، والإيذاء المعنوي، أو المعاملة القاسية. وقال رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى عبدالناصر فروانة إن من بين مجموع الاعتقالات أكثر من 14 ألف حالة اعتقال لأطفال، ونحو 1500 فتاة وامرأة، وما يزيد على 65 نائبا في المجلس التشريعي الفلسطيني، وعدد من الوزراء السابقين. وأضاف فروانة "خلال الفترة المستعرضة وضعت 4 أسيرات مواليدهن داخل الأسر في ظروف قاسية وصعبة، وهن: ميرفت طه من القدس، ومنال غانم من طولكرم، وسمر صبيح، وفاطمة الزق من قطاع غزة. وبين أن سلطات الاحتلال بالغت في اللجوء لاستخدام الاعتقال الاداري، وأصدرت أكثر 26 ألف قرارا بالاعتقال الإداري، ما بين قرار جديد، أو تجديد الاعتقال، منذ عام 2000، ما جعل من الاعتقال الاداري وسيلة للعقاب الجماعي، ويشكل جريمة من منظور القانون الدولي، ما دفع العشرات من المعتقلين الإداريين خلال السنوات الأخيرة إلى خوض اضرابات عن الطعام، فردية وجماعية، احتجاجا على استمرار اعتقالهم اداريا، دون تهمة، أو محاكمة. وأشار التقرير إلى أن 85 معتقلا استشهدوا منذ عام 2000 نتيجة التعذيب، والإهمال الطبي، أو جراء استخدام القوة المفرطة ضد المعتقلين، والقتل العمد والتصفية الجسدية بعد الاعتقال، آخرهم كان ياسر حمدوني، ما رفع قائمة شهداء الحركة الأسيرة إلى 208 شهداء، بالإضافة الى عشرات آخرين استشهدوا بعد خروجهم من السجن بفترات وجيزة، متأثرين بأمراض ورثوها عن السجون، أمثال مراد أبو ساكوت، وفايز زيدات، وزهير لبادة، وزكريا عيسى، وهايل أبو زيد، وجعفر عوض، وغيرهم . وفي السياق، ذكر فروانة أن سلطات الاحتلال أبعدت خلال الفترة المستعرضة نحو 290 مواطنا من الضفة الغربية، والقدس إلى قطاع غزة، والخارج، بشكل فردي أو جماعي، فيما الغالبية العظمى منهم أبعدوا ضمن اتفاقيات فردية، وصفقات جماعية، ومنهم 205 أبعدوا ضمن صفقة تبادل "شاليط" في أكتوبر 2011. وطالبت الهيئة في تقريرها كافة المؤسسات الحقوقية والانسانية الى فضح الانتهاكات والجرائم الاسرائيلية المرتكبة بحق المعتقلين، والضغط على سلطات الاحتلال، لإلزامها باحترام المواثيق والاتفاقيات في تعاملها معهم، ووقف اعتقالاتها العشوائية والجماعية، التي أضحت ظاهرة يومية مقلقة، والوسيلة الأكثر خراباً بالمجتمع الفلسطيني.