انظر إلى حال من يعض الحصى ، هل تعتقد أنه سيفلح في التأثير على الحصى ؟ بكل تأكيد لن ينجح سوى في كسر أسنانه.. إنها نتيجة طبيعية ومنطقية مقبولة لا شك فيها.. والحكماء منذ القدم قالوا في أمثالهم بأن العناد والإصرار على رأي معين ولو كان باطلاً ، هما أوضح الأدلة على صفة الحماقة، أي أنهم يريدون القول بأن العنيد أحمق أو هكذا يُفهم الأمر ..
في تاريخنا ، تجد كثيرين من العنيدين الحمقى ، ولعل أبرزهم هو أبو جهل عمرو بن هشام، وظهرت حماقته مختلطة بعناده قبل موقعة بدر ، فقد كان من أكثر من طالبوا بالحرب ضد المسلمين، على الرغم من نجاة قافلة قريش وإيثار أبي سفيان سلامة القافلة على اتباع رأي أبي جهل، ومحاولة عتبة بن ربيعة الانسحاب من مواجهة المسلمين وفيهم من القرشيين الكثير ، حتى لو وصفه العرب بالجبن ، فليست القوة والشجاعة من الحكمة دوماً .. ولكن في النهاية غلبهم أبوجهل أو قل، غلبهم عناده وكانت النتيجة النهائية ، أن استقر هو وصناديد قريش في القليب، أجساد وأشلاء تراكمت فوق بعضها وبئس المصير!
الشاهد من القصة، أن الحكمة والتعقل وهدوء التفكير وضبط الأعصاب في وقت الشدائد والأزمات، صفات ليست سهلة التحلي بها أو استحضارها ، خاصة عند أصحاب القرار.. لو أن زعيم الكفر يومئذ على سبيل الافتراض، لم يتبع الهوى والاعتداد بالقوة والنفس وآثر سماع آراء حكماء قريش، لكان الأمر مختلفا ً.
هذا الأمر يتكرر في كل زمان ومكان، فمن قبل العنيد أبي جهل، كان فرعون موسى، ومن قبل ذاك الفرعون الأحمق العنيد ، كان سادة قوم عاد وثمود وأصحاب الأيكة وقوم لوط.. ومن بعدهم في العصر الحديث موسوليني وهتلر وغيرهم كثير كثير من الشرق والغرب لا يتسع المقام لحصرهم .. كانوا مجموعة حمقى وجهلة وعدد من المستبدين بالرأي، كانت لهم القيادة واتخاذ القرار بقدرة قادر، فكانت النتيجة هلاكهم قبل غيرهم، ومع ذلك ، تجد قافلة العنيدين الحمقى مستمرة في السير بل وينضم إليها كثيرون بين الحين والحين، دون أن يتعظ ويعتبر أحد !!

د.عبدالله العمادي