”للأسف، فإن تقرير مراجعة الوضع النووي للولايات المتحدة لعام 2010 يرفض صراحة فكرة أن الغرض الوحيد للأسلحة النووية الأميركية هو الردع، فالولايات المتحدة هددت باستخدامها مرات عديدة. فخلال الفترة التي سبقت غزو العراق عام 2003، على سبيل المثال، رفضت الولايات المتحدة إزاحة الخيار النووي من على الطاولة.”
المسألة النووية




شكك عدد متزايد من السياسيين وخبراء الأمن القومي فيما إذا كان من الآمن أن يكون إصبع دونالد ترامب على الزر النووي. ولكن هل هم يطرحون السؤال الصحيح؟

في رسالة مفتوحة، حذر 50 خبيرا رائدا في الأمن القومي من الجمهوريين من أن ترامب يمتلك «صفات خطيرة في فرد يطمح أن يكون الرئيس والقائد الأعلى، متحكما في قيادة الترسانة النووية الأميركية».
أو على حد تعبير هيلاري كلينتون في كلمتها بقبول ترشيح الحزب الديمقراطي: «رجل يمكنك أن تغويه بتغريدة ليس رجلا يمكننا أن نأتمنه على أسلحة نووية».
في الواقع، سيكون من الخطير جدا لشخص غير مستقر جاهل أن يكون له السيطرة على ترسانة نووية.
ما انطوت عليه هذه التحذيرات، مع ذلك، هو فكرة أن لا بأس في أن يكون لديك شخص «عادي» في موقع مسؤولية. في الواقع، يرى العديد من منتقدي ترامب صراحة فكرة أن الأسلحة النووية، في اليد الصحيحة، تشكل رادعا فعالا لأي هجوم نووي من قبل القوى الأخرى وهي، في نهاية المطاف، أفضل ضامن لأمننا القومي.
وحجتهم ـ من أجل صيانة مستمرة لترسانة نووية قادرة على تدمير الحضارة البشرية ـ تعتمد على افتراض أن هذه الأسلحة موجودة فقط لإقناع القوى النووية الأخرى بعدم الهجوم، وأننا لا ننوي استخدامها فعلا.
للأسف، فإن تقرير مراجعة الوضع النووي للولايات المتحدة لعام 2010 يرفض صراحة فكرة أن الغرض الوحيد للأسلحة النووية الأميركية هو الردع، فالولايات المتحدة هددت باستخدامها مرات عديدة. فخلال الفترة التي سبقت غزو العراق عام 2003، على سبيل المثال، رفضت الولايات المتحدة إزاحة الخيار النووي من على الطاولة. والسياسة النووية الروسية أكثر خطورة، إذ تؤيد صراحة الاستخدام المبكر للأسلحة النووية في حال وقوع حرب تقليدية مع حلف شمال الأطلسي.
وباكستان لديها عقيدة نووية مماثلة تتصور أول استخدام مبكر للأسلحة النووية إذا كان ينبغي أن تجد نفسها في حرب أخرى مع الهند.
لذا فقد قرر القادة «العاديون» للدول الحائزة للأسلحة النووية بالفعل أنه في ظل مجموعة متنوعة من الظروف، فإن الأسلحة النووية يمكن أن تستخدم وسوف تستخدم.
حتى إذا كان أي من هذه القوى النووية لن تتخذ في أي وقت قرارا مدروسا لاستخدام ترسانتها النووية، فهناك خطر حقيقي جدا بأن هذه الأسلحة سيتم نشرها بسبب سوء تقدير أو خطأ في الحاسوب.
ثمة مقال نشر هذا الصيف في مجلة «سبيس ويذر» وصف لأول مرة كيف أن توهجا شمسيا في مايو 1967 دمر الاتصالات مع عدد من منشآت الرادار الرئيسية في منطقة القطب الشمالي. وخلص الجيش الأميركي بشكل غير صحيح أن السوفييت قد قاموا بتعطيل هذه المحطات للإنذار المبكر باعتبارها الخطوة الأولى في هجوم مفاجئ، ولذلك أعدوا القاذفات المسلحة النووية الأميركية للإقلاع. ولكن تم تفادي الحرب في اللحظة الأخيرة عندما تلقى سلاح الجو معلومات حول السبب الحقيقي للعطل.
كانت هناك على الأقل خمسة حوادث رئيسية أخرى عندما أدت أخطاء الكمبيوتر أو سوء تفسير المعلومات الاستخبارية في موسكو أو واشنطن للتحضير لشن حرب نووية بناء على الاعتقاد الخاطئ بأن الطرف الآخر قد بدأ بالفعل هجوما، آخرها في عام 1995، وأيضا بعد نهاية الحرب الباردة.
وعلاوة على ذلك، فقد أظهرت الدراسات أننا لسنا بحاجة لحرب نووية واسعة النطاق لتدمير الحضارة الإنسانية. بل إن حربا نووية محدودة جدا، محصورة في زاوية واحدة من الكرة الأرضية، سيكون لها عواقب وخيمة في جميع أنحاء المعمورة. فاستخدام 100 قنبلة بحجم قنبلة هيروشيما ـ أقل من 0.5 في المئة من الترسانة النووية في العالم ـ ضد أهداف في المناطق الحضرية قد يثير السخام في الغلاف الجوي العلوي بما فيه الكفاية لعرقلة المناخ في جميع أنحاء العالم، وقطع الإنتاج الغذائي ووضع بليوني شخص عرضة لخطر الموت جوعا .
بالنسبة للدول الحائزة للأسلحة النووية، هذه هي أكثر الحقائق المزعجة. فهي تنظر لترساناتها النووية كأدوات لإظهار قوتها الوطنية التي لا تريد أن تتخلى عنها. كل الدول التسع تنفق حاليا مبالغ ضخمة على تحديث ترساناتها، وأظهرت معارضة شرسة لجهود الدول غير الحائزة للأسلحة النووية التي ترغب في فرض حظر قانوني على حيازة هذه الأسلحة.
في تعليقه على أزمة الصواريخ الكوبية، في أخطر لحظة من الحرب الباردة، قال وزير الدفاع السابق روبرت ماكنمارا، «لقد كان الحظ هو الذي حال دون نشوب حرب نووية.» فالأسلحة النووية لا تملك قوة سحرية تمنع استخدامها. لقد نجونا من العصر النووي حتى الآن بسبب سلسلة لا تصدق من الحظ، ونحن لا يمكن أن نتوقع أن يدوم الحظ إلى الأبد. فعاجلا أم آجلا، إذا لم نتخلص من هذه الأسلحة، فسيتم استخدامها، وسوف تدمرنا.
السؤال الصحيح بالنسبة لنا والذي يجب أن نسأله هو: «هل ينبغي أن يكون هناك شخص لديه القدرة على الضغط على الزر النووي؟» الجواب الصحيح هو «لا» مدوية.

ايرا هلفاند
روبرت دودج
الرئيس المشارك لمنظمة أطباء الدولية لمنع الحرب النووية
رئيس منظمة أطباء من أجل المسؤولية الاجتماعية، لوس أنجلوس خدمة «ام سي تي» ـ خاص بـ« الوطن »