” .. على الرغم من أن قانون "جاستا" صُمم حسب مشرعيه لدعم مطالبات ضحايا اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر فإنه في الوقت نفسه ينطبق على ضحايا القتل والقصف والتعذيب التي مارستها الإدارات الأميركية المتعاقبة، الأمر الذي سيضع القضاء الأميركي أمام سيل من المطالبات جراء الأعمال العدائية ضد الدول والأفراد.”

[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedsabry.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]احمد صبري[/author]
لم يكن إقدام الرئيس الأميركي باراك أوباما على نقض ما بات يعرف بقانون "جاستا" معزولا عن خشيته من تداعيات تطبيق القانون على بلاده واحتمالية الفوضى التي ستعم العالم، إثر سيل المطالبات بالتعويضات من جراء الأعمال العسكرية والحوادث التي رافقتها خلال العقود الماضية.
وخشية أوباما لها ما يبررها، لأن بلاده ارتكبت خارج حدودها حروبًا، وقامت بتنفيذ عمليات قتل بشكل أو بآخرعن طريق الطلعات بطائرات من دون طيار، كما أنّ الرئيس يعلم أن ما جرى في سجن أبو غريب وجوانتانامو من عمليات تعذيب رهيبة حتى خارج التصور الإنساني ستضع أفعال الولايات المتحدة أمام مشهد القضاء الأميركي للنظر في طلبات آلاف المتضررين من هذه الحماقات التي طالت دولًا وأشخاصًا لا يمكن التغاضي عن محاسبة وجلب مرتكبيها إلى ساحة القضاء ومبدأ التعويض، وفقًا لقانون الدول هو (أن الدولة التي ترتكب عملًا عدوانيًّا تلتزم بتعويض كل الأضرار المترتبة عليه، وأن للدولة المتضررة الحق في أن تحصل من الدولة التي ارتكبت فعلًا غير مشروع دوليًّا على تعويض عن الضرر الناتج عن هذا الفعل).
هذا النص في القانون الدولي ينطبق تمامًا على غزو العراق واحتلاله الذي تم خارج إرادة المجتمع الدولي وولاية مجلس الأمن، من خلال إقدام الولايات المتحدة وبريطانيا على احتلال العراق وتدمير البنية التحتية وحل مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية ونهبت أمواله، فضلًا عن قتل آلاف العراقيين، بفعل الضربات الجوية على المدن كما جرى في الفلوجة ومدن أخرى أو بفتح النار على المدنيين الذين رفضوا الاحتلال، وعلى الرغم من أن القائمين على الحكم في العراق ما زالوا يرددون مفردة تحرير العراق في حين أن الدولة الغازية وصفته احتلالا، وكذلك في تعريف أيضًا للأمم المتحدة.
إن الساكتين على ما جرى في العراق من تدمير ممنهج خلال وبعد الاحتلال وبطلان ذرائع امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل التي كانت مدخلًا لشن الحرب على العراق يواجهون رأيًا شعبيًّا متصاعدًا من جراء تفريطهم بحقوق العراقيين ـ لا سيما المطالبة بالتعويضات التي أقرها القانون الدولي.
وعلى الرغم من أن قانون "جاستا" صُمم حسب مشرعيه لدعم مطالبات ضحايا اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر فإنه في الوقت نفسه ينطبق على ضحايا القتل والقصف والتعذيب التي مارستها الإدارات الأميركية المتعاقبة، الأمر الذي سيضع القضاء الأميركي أمام سيل من المطالبات جراء الأعمال العدائية ضد الدول والأفراد.
وفي أول ردة فعل عراقية على قانون "جاستا" بادر المشروع العربي في العراق إلى تشكيل فريق دفاع عراقي دولي يضم عشرات المحامين ورجال القانون الدولي للشروع في حملة عالمية لتحصيل حقوق العراقيين، جراء الأضرار التي لحقت بهم ورفعها إلى المحاكم الأميركية.
ولم يكتفِ المشروع العربي بهذه الخطوات، وإنما دعا البرلمان العراقي والحكومة إلى تشكيل لجنة مهمتها المطالبة بالتعويضات المترتبة على الولايات المتحدة جراء غزوها واحتلالها للعراق من دون تفويض من الأمم المتحدة أو مجلس الأمن.
واللافت أن الحكومة العراقية وحتى البرلمان التزما الصمت أمام مسألة أصبحت قضية رأي عام، ما يضع الطبقة السياسية تحت طائلة المساءلة القانونية والأخلاقية جراء صمتها وعدم اكتراثها بالمطالبة بتحصيل حقوق العراقيين المشروعة.
وكشفت منظمات حقوقية معنية بمتابعة مطالبات حقوق العراقيين من تداعيات غزو العراق واحتلاله عن اعتزام آلاف العوائل العراقية لجمع الوثائق اللازمة لإقامة دعاوى قضائية ضد مسؤولين أميركيين تورطوا في جرائم ضد الإنسانية، وذلك عقب إقرار الكونجرس الأميركي قانون "جاستا".
بعد أن كان هذا الأمر صعبا قبل صدور قانون الكونجرس، الذي مهد الطريق لعوائل الضحايا أن تطالب بالتعويض، إذ كانت الإدارة الأميركية تمنع تقديم شكاوى ضد مواطنيها ومسؤوليها، لكن بعد صدور هذا القانون سقط هذا الحاجز.