”.. شَهِدَ منتصف شهر أيلول/سبتمبر 2016 اجتماعًا غير عادي للجنة الاستشارية لوكالة (أونروا) في العاصمة الأردنية عمَّان، خاطب فيه المفوض العام للوكالة (بيير كريهنبول) اللجنة الاستشارية مُشيرًا إلى أن وضع (5.3) مليون لاجئ فلسطيني أسوأ من أي وقت سبق منذ عام 1948، وقال: «إن أعوام النكبة المديدة، وخمسين عاما من الاحتلال عام 1967، وعشرة أعوام من الحصار في فلسطين محفورة في أذهان وهوية مجتمع اللاجئين الفلسطينيين».”

[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/alibadwan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي بدوان[/author]

لَعِبَت وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين العرب في الشرق الأدنى (أونروا)، والتابعة لهيئة الأمم المتحدة، ومنذ تأسيسها عام 1949، دورًا تاريخيًّا لا يُمكن القفز عنه أو تجاوزه كشاهد حي على نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948. فالوكالة تُعتبر وفقًا للقانون الدولي، ومن الناحية القانونية ترسيمًا وإقرارًا من المجتمع الدولي باغتصاب فلسطين وتشريد غالبية سكانها ومواطنيها، وإسنادًا دامغًا لرواية النكبة على حقيقتها في مواجهة الأكذوبة الصهيونية الكبرى ورواية الطرف الآخر التي قالت بأن «فلسطين أرض بلاشعب لشعبٍ بلا أرض».

جاء تأسيس الوكالة، والمُستمرة في عملها حتى الآن في الأقاليم الخمسة التي يتواجد فوق أرضها لاجئون فلسطينيون (لبنان + سوريا + الأردن + الضفة الغربية والقدس الشرقية + قطاع غزة) وفقًا للقرار الأممي الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 302 (الدورة الرابعة) في الثامن من كانون الأول/يناير 1949، وعلى طريق توفير الحل العادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين بعودتهم إلى أرض وطنهم التاريخي وتطبيق القرار الأممي الرقم (194) الصادر عن الأمم المتحدة بتاريخ 8 كانون الأول/ديسمبر 1948، على أن تنتهي مهام عمل الوكالة بعد تطبيق ذلك الحل.
لقد واجهت الوكالة خلال العقود الثلاثة الأخيرة من عمرها، وتحديدًا منذ بدايات تسعينيات القرن الماضي، وانطلاق عملية التسوية المأزومة، واجهت مصاعب كبيرة في أدائها لعملها نتيجة التراجع في مداخيل الدعم الدولي المُقدم لها في ظل ازدياد حاجات مُجتمع اللاجئين الفلسطينيين، وازدياد أعدادهم، وتعرضهم لنكبات مُتتالية كان آخرها نكبة اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، وهو ما دفع بالوكالة لإطلاق نداءات الطوارئ والاستغاثة للمجتمع الدولي من أجل دفعه للسخاء في التبرع المالي والعيني لها. كما واجهت وما زالت تواجه محاولات مُستميتة من الطرفين الأميركي و»الإسرائيلي» من أجل انهاء مهام عملها، وبالتالي القضاء عليها كشاهد حي على نكبة فلسطين، ووأد حق العودة للاجئي فلسطين.
لقد لعبت وكالة (اونروا) وما زالت دورًا هامًّا في تقديم خدماتها لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين في مناطق عملياتها الخمس، في مجالات الصحة، والتعليم، والإغاثة الاجتماعية. فضلًا عن دورها في الحفاظ على سجلات اللاجئين المدنية لهم ولأحفادهم الذين ولدوا بعد النكبة.
ومؤخرًا، شَهِدَ منتصف شهر أيلول/سبتمبر 2016 اجتماعًا غير عادي للجنة الاستشارية لوكالة (أونروا) في العاصمة الأردنية عمَّان، خاطب فيه المفوض العام للوكالة (بيير كريهنبول) اللجنة الاستشارية، مُشيرًا إلى أن وضع (5.3) مليون لاجئ فلسطيني أسوأ من أي وقت سبق منذ عام 1948، وقال: «إن أعوام النكبة المديدة، وخمسين عاما من الاحتلال عام 1967، وعشرة أعوام من الحصار في فلسطين محفورة في أذهان وهوية مجتمع اللاجئين الفلسطينيين». وأضاف المفوض العام للوكالة «أن الجيل الصغير من اللاجئين الفلسطينيين يفقدون الأمل في السياسة والدبلوماسية». وفي خطابه ركّز على المشاكل المالية الحالية والمستمرة في (أونروا) والتي لا تسمح بفتح برامج جديدة، ولكن فقط التركيز على إدارة الأزمة وذلك سنة بعد سنة، واختتم خطابه «لم يَشعُر اللاجئون الفلسطينيون مُطلقًا بهذا الكم من العزلة، وعدم الراحة واليأس من قبل، هناك حاجة أكثر من أي وقتٍ مضى إلى حماية أملهم ومهاراتهم».
كما خاطب المفوض العام للوكالة (بيير كريهنبول) اجتماعًا لجامعة الدول العربية عُقِدَ للشأن ذاته، ودعا إلى تقديم الدعم المالي والسياسي للوكالة، ومكررًا التأكيد أن (أونروا) «شاهدٌ على الظُلم التاريخي الذي وقع على الفلسطينيين اللاجئين، ولديها المسؤولية لدق ناقوس الخطر باسم مجتمع اللاجئين الفلسطينيين الذي يغرق إلى الهاوية وعلى مرآى من أنظارنا».
إن مساهمات الوكالة في رعاية حياة اللاجئين الفلسطينيين من ناحية خدمات الصحة، والتعليم، والإغاثة الاجتماعية في سوريا ولبنان والأردن والضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، ترافقت مع دور الوكالة في حفظ وثائق سيرة لاجئي فلسطين، حيث عملت الوكالة ومنذ تأسيسها، على إنتاج وتجميع أرشيف من الأفلام والصور تُغطي معظم جوانب حياة وتاريخ لاجئي فلسطين. فأرشيف الوكالة يقدم صورة بانورامية حية عن أوضاع مجتمع اللاجئين الفلسطينيين منذ النكبة الكبرى عام 1948 وحتى الآن، ودور الوكالة، كما يُبيّن الحياة اليومية للاجئي فلسطين إلى جانب بعض الصور المميزة للفلسطينيين الذين تركوا بيوتهم في العام 1948 أثناء نكبتهم، ولتأسيس المخيمات في عقد الخمسينيات والهجرة الثانية خلال عدوان عام 1967، وفترة الحرب الأهلية في لبنان، وفترات الاضطراب في النصف الثاني من عقد الثمانينيات والقلاقل التي بدأت عام 2000، وصولًا لنكبة فلسطينيي سوريا، والتي فاقت كل تصور، وما زالت تُجرجر نفسها حتى الآن.
واليوم، إن الأرشيف الخاص بوكالة (أونروا) والذي يؤرخ ويوثق نكبة لاجئي فلسطين، يَضُمُ أكثر من (430,000) صورة سلبية وعشرة آلاف صورة مطبوعة، إلى جانب (60,000) شريحة عرض، وخمسة وسبعين فيلمًا، وما مجموعه (730) شريط فيديو، أي ما يصل إلى أكثر من (500,000) أصل بالإجمال، وهو أرشيف ضخم بكل المقاييس.
وفي عام 2009، تم تسجيل الأرشيف الخاص بوكالة (أونروا) من قبل منظمة اليونسكو في سجل ذاكرة العالم، وهو ما يعني الاعتراف بقيمته التاريخية، وبالظلم الكبير الذي وقع على الشعب العربي الفلسطيني.
إن تلك الصور والأفلام والأرشيف والعائدة لوكالة (أونروا)، تُشَكِّلُ الشهادة الفريدة والتاريخية عن مرونة وصمود لاجئي فلسطين، واستمرار حياتهم وتحديهم لكل المصاعب بالرغم من كل المحاولات التي بذلتها «إسرائيل» الصهيونية ومن وراءها من أجل طمس هوية الشعب الفلسطيني.
كما تحافظ تلك الصور والوثائق التاريخية في الوقت نفسه، على الذاكرة الجمعية للاجئي فلسطين منذ عام 1948 وحتى اليوم. فقوة الوثائق الحية توضح قوة الصور المرئية والوثائق، والتي لديها قدرة فريدة في إعادة الحياة للتاريخ كما هو دون لف أو تزوير أو لي لعنق الحقيقة.
في هذا السياق، أنهت وكالة (أونروا) مشروع الرقمنة لوثائقها، وأطلقت منصة أرشيف الوكالة للأفلام والصور على الشبكة العنكبوتية، حيث تم مؤخرًا وفي رام الله افتتاح معرض تم فيه عرض مختارات من الصور التي لم يتم نشرها سابقًا من أرشيف (أونروا) للأفلام والصور، بعد استكمال العمل في مشروع رقمنة مواد الأرشيف، واطلاق منصة الأرشيف على الشاشة العنكبوتية والتي سَتَشَكِلُ جزءًا كبيرًا من الأرشيف المتاح لعامة الجمهور ولعامة الناس.
أخيرًا، إن حماية الشاهد الحي على الظُلم التاريخي الذي وقع بحق الشعب العربي الفلسطيني، مسألة لا تقبل المناقشة، وعلى الحالة العربية الرسمية، والجهات الفلسطينية المعنية، الوقوف في وجه محاولات إنهاء عمل الوكالة، بل وتحفيز المجتمع الدولي على رفع مستويات دعمه المالي والعيني للوكالة، من أجل ضمان استمرارها في خدمة مجتمع اللاجئين الفلسطينيين إلى حين عودتهم إلى أرض وطنهم التاريخي وفقًا لقرار قيام الوكالة عام 1949. ■